07/04/2025
لم يكن سالم يكره حياته، لكنه لم يكن يحبها أيضًا.
كان يعيشها كما يعيش المرء فيلمًا شاهده من قبل، دون مفاجآت، دون تفاعل.
الوجوه ذاتها، الطرق ذاتها، والأحاديث تدور حول ذات المواضيع: العمل، الطقس، وخصومات الجمعات الأخيرة.
كان يعمل في وظيفة مكتبية بأحد المكاتب الحكومية. مكتب رمادي، وجدران رمادية، وملفات باردة لا روح فيها.
كل صباح، كان يجلس خلف شباكه، يطبع الأرقام ويوقّع الأوراق، ويبتسم ابتسامة آلية للمراجعين الذين يمرّون كأرقام في طابور طويل.
كان يظن أن هذه الحياة “كافية”، حتى توقف ذات ليلة وسأل نفسه: كافية لمن؟
في إحدى الليالي، وبينما كان الجو مشبعًا برطوبة ثقيلة، صعد إلى سطح البناية القديمة التي يسكنها.
جلس على طرف الجدار، شعر برغبة مُلحة في الكتابة تذكر دفترًا قديماً، كان قد نساه سنوات.
ذهب لغرفته وبحث عن دفتره ثم عاد ليجلس على ذلك الجدار ، فتحه فوجد بقايا أغنية كتبها ذات مساء، عندما كان يعزف العود في فناء البيت، حين كان للغيم طعم، وللصوت صدًى في قلبه.
صفّق للذكرى في داخله ضحكة مرتجفة، وقرأ ما كتبه ذات زمن:
“أعيش… لأعبر… لا لأبقى.”
فهم الآن.
لقد ظل يعبر يومه دون أن يبقى فيه، يتنقل بين تفاصيل ميتة وهو يتظاهر بالحياة.
كل شيء فيه كان ساكنًا، إلا جملة واحدة دقّت في رأسه كما يدق اللحن على وتر مشدود سمعها مرة من أحد أصدقاءه:
هو “يدرك أن العيش بلا شغف يشبه الرقص على مقابر سكانها بقايا غابرة”.
حينها فقط، قام، نفض الغبار عن ملابسه وعن قلبه، ونزل إلى غرفته.
فتح خزانته القديمة، سحب منها العود المغطّى بطبقة كثيفة من النسيان، ونفخ فيه شيئًا من روحه.
بدأ يعزف، ببطء، كما لو كان يعيد نبضه.
من تلك الليلة، لم يعد سالم مجرد رقم في الطابور.
صار يغنّي في المساء، ويبتسم في الصباح، ليس لأنه وجد الحياة الكاملة…
بل لأنه استعاد الشغف، وبه فقط، عاد حيًا حقًا. فظل يردد في نفسه نصف حياة لا تكفي.
شادية الغامدي
عضو جمعية إعلاميون
@shadiyah_gh