مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

الكرسي الرابع ..في زاوية الأختفاء

 

في كل مقهى تعرفه بالمدينة، يوجد كرسي لا يُجلس عليه. تراه هناك، بين ثلاث كراسي مأهولة، يقف كأنه ظلُّ حكاية لم تُكتمل، أو كأن أحدًا كان يجلس عليه ثم تلاشى فجأة… دون أن يُسأل عنه.

اعتدتُ كل صباح أن أمرّ بذلك المقهى، أراقب الوجوه، أدوّن بصمات الحياة العابرة على الملامح. شيء في الكرسي الرابع كان يُربكني. لا أحد يجلس عليه، مع أنه دائماً شاغر. لا خدوش عليه، لا بقع قهوة، لا انحناءات خشب كأن الجسد لم يثقل به يومًا.

ذات صباح، جلستُ عليه عنادًا. أردتُ أن أفهم. لِما الكل يتجاهله جلست، وأخرجت دفتري لأكتب… لكن الكلمات خانتني. وكلما رفعتُ عيني، رأيت من حولي يرمقونني بنظرات مختلطة بين الفضول والخوف.

قال لي من يُقدم القهوة حين ناولني طلبي بصوت خافت: “منذ خمس سنوات… كان يجلس هنا رجل يكتب كل صباح، مثلك تمامًا… ثم اختفى.”

ضحكتُ، قلت له: “وهل كل من يجلس على الكُرسي يختفي؟”

قال بنبرة جامدة: “أنا لا أمزح!؟

في اليوم التالي لم أعد إلى المقهى. ولكنني صرت أرى الكرسي الرابع في كل مكان. في كل موقف لم أعد أعرف كيف أعيش، في كل لحظة شعرت فيها أنني “أغيب” وأنا أبدو حاضره.

الكرسي الرابع لم يكن مجرد قطعة خشب، بل كان سؤالاً عن الذين نعيش بينهم… بينما نحن في مكان آخر تمامًا.

 

أ. شادية الغامدي
‏@shadiyah_gh
عضو جمعية إعلاميون

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop