كشفت الهيئة العامة للإحصاء، أن 71,6 % من المنشآت المتصلة بالإنترنت في المملكة تستخدم أجهزة أو أنظمة ذكية، وهو رقم كبير يعكس تسارع التحول الرقمي في بيئة الأعمال السعودية. غير أن هذا الرقم، رغم ضخامته، يفتح الباب أمام تساؤل؛ هل هذا التحول رقمي في شكله فقط، أم أنه يعكس تحولًا حقيقيًا في نمط الإدارة والتفكير والعمليات؟
لقد أصبحت الأجهزة الذكية اليوم مكوّنًا أساسيًا في المشهد المؤسسي؛ من أنظمة الإنذار والعدادات الذكية إلى المصابيح وكاميرات المراقبة. ولكن القيمة الفعلية لهذه التقنيات لا تكمن في وجودها الفيزيائي، بل في قدرتها على جمع البيانات، وتحليلها، وتوظيفها في اتخاذ القرار وتحسين الأداء. فالمنشآت التي تنجح في تحويل هذه الأدوات إلى روافع للإنتاج والمعرفة هي فقط من تستحق وصف «المنشآت الذكية». أمّا من يقتني الأدوات دون استراتيجية واضحة، فهو يسير في طريق التقنية بلا بوصلة.
التحول الرقمي، كما تؤكد رؤية المملكة 2030، هو ركيزة أساسية لرفع الكفاءة، وتعزيز الابتكار، وتقليل الهدر، وترسيخ مبدأ الشفافية. فالمنشآت الذكية، حين تعمل بكفاءة، تساهم بشكل مباشر في دعم الاقتصاد الوطني عبر خفض التكاليف التشغيلية، وتحسين جودة الخدمات، وخلق بيئة مرنة قادرة على مواكبة التغيرات السوقية.
ورغم هذه الإيجابيات، لا يمكن تجاهل التحديات المصاحبة لهذا التحول. فارتفاع نسبة استخدام الأجهزة الذكية لا يعني بالضرورة وجود نضج رقمي مؤسسي. فلا تزال هناك فجوات واضحة في بعض القطاعات، تتعلق بضعف مهارات تحليل البيانات، وعدم تكامل الأنظمة الذكية مع العمليات التشغيلية، أو مع سياسات الحوكمة والأمن السيبراني. ويؤدي هذا الخلل إلى وجود منشآت تعتمد على أدوات ذكية، لكنها لا تستفيد منها فعليًا، فتتحول التقنية إلى قيد جديد لا إلى فرصة.
ومن هنا، فإن إعادة تعريف مفهوم «المنشأة الذكية» بات أمرًا ملحًا. فليس الذكاء بعدد الكاميرات أو الحساسات، إنما بقدرة المنشأة على استخدام هذه الأدوات في تحسين تجربة العميل، ورفع كفاءة القرار، وتعزيز استدامة الأداء المؤسسي، لأنّ الذكاء المؤسسي لا يُبنى على البيع والشراء، بل بالتفكير وإعادة تشكيل العمليات على ضوء البيانات.
القفزة التي نشهدها اليوم في استخدام الأجهزة الذكية تمثل فرصة جوهرية، لكنها أيضًا اختبار جاد. اختبار لمدى جاهزية العقل المؤسسي للتحول، وقدرة المنشآت على الاستثمار في بناء نموذج تشغيلي أكثر كفاءة ومرونة وابتكارًا. فشراء العدادات الذكية أمر يسير، لكن التحدي الكبير يكمن في تحويل بياناتها إلى قرارات تُحدث فرقًا.
لقد تجاوزنا اليوم مرحلة السؤال التقليدي؛ «كم منشأة تستخدم التقنية؟»، وأصبح السؤال الحقيقي؛ «كم منشأة تفهم التقنية وتعيد تشكيل منظومتها على ضوئها؟».. وبين هذين السؤالين يتحدد مستقبل التمكين الرقمي في المملكة.
د. سطام ال سعد
@Sattam_Alsaad
عضو جمعية إعلاميون