تأتي مبادرة ” السعودية الخضراء” التي أطلقها ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان إيماناً من سموه الكريم بأن الشجرة رافداً تنموياً مهماً؛ ليس فقط كمصدر للغذاء وحسب، بل لكون النباتات عاملاً مهما للإصحاح البيئي، من حيث تنقية الأجواء من التلوث، إلى جانب تلطيف الطقس، وتخفيف حِدة لهيب الشمس الحارقة، لتشكل الأشجار إزاء ذلك وقايةً، وظلاً وارفاً!
ولقد أنعكس ذلك على اهتمام الأمانات والبلديات بزراعة الشجرة وزيادة المسطحات الخضراء في المدن، لتضفي جمالاً وإنعاشا، ولتكون متنفساً طبيعياً لقاطنيها وزائريها، مع أن الحاجة تبدو ماسةً للمزيد، وذلك للحد من التلوث الناجم من تصاعد أدخنة المصانع أو عوادم المركبات؛ جراء الإزدحام المروري الكثيف، إضافة لدورها في الإصحاح البيئي، مما يجعل عملية الاستزراع إحدى الحلول البيئية الطبيعية المناسبة.
كما أنه لإتساع رقعة المملكة العربية السعودية واحتلال الصحارى جزءًا كبيرا من مساحتها، فإن ذلك يعد أيضًا معضلة تواجه تلك البادرة، إلا أن البحث عن حلول للتغلب على التصحر، وتقليص المساحات البور، يهدف للحد مما تحدثه من عجٍّ وموجات غبار وأتربة تحجب الرؤية أو تتسبب في مخاطر الطرق، أو مداهمة المدن والمناطق السكنية متسببةً في مشاكل تنفسية وعوالق ترابية مزعجة، مما يتطلب التركيز على البيئات الجافة التي تستجدي العناية والاستفادة.
وحيث سبق زراعة شجرة (السَلَم الأمريكي)، أو ما تسمى بالمسكيت أو البرسوبس، باعتبارها تتكيف مع الظروف الصعبة إلا أن ما تبين لاحقاً من أنها ذات ضرر كون أعدادها تتزايد بأعدادٍ كبيرة، إذ تكمن خطورتها في أنها تقضي على ماجاورها من الأشجار المغايرة.
ولأن البدائل متوفرة إذ لدينا أشجار محلية ومعمرة وذات نفع متعدٍ كـ ( السدر، والسلم والأراك والطلح والجميز ( الإبراء)، العتم( الزيتون البري، الظهياء) وغيرها، إذ تعد زراعتها إضافة جيدة، لكونها غطاء نباتيًا مقاوما ومستداماً، كما ستكون مصدرا للرعي، وتزايد أعداد المواشي، كما تعد مدداً نوعيًا لعسل النحل، يترتب عليها زيادة المناحل، وبالتالي يتحقق من ورائها الاكتفاء الذاتي، وأيضاً موادا خام للصناعات التحويلية الأخرى.
وبما أن مناسبة اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف، والذّي يصادف 17 حزيران من كلّ سنة، يهدف لزيادة الوعي، لأهمية استصلاح الأراضي وزيادة الرقعة الخضراء؛ استشعارًا بأن التصحر والجفاف نذير خطر يهدد مستقبل الأمن الغذائي والبيئي.
ولقد حققت وزارة البيئة والمياه والزراعة إنجازات كبيرة تمثلت في تأهيل الأراضي المتدهورة واستصلاح الأراضي الزراعية وحماية المناطق البرية
إضافة لتوطين عدد من الكائنات الفطرية المهددة بالانقراض، كما تم استحداث الأمن البيئي الذي يقوم بدور فاعل في حماية المكونات البيئية والفطرية وعدم الإخلال بتوازنها الفطري.
وبما أن الاهتمام البيئي يعد أحد منطلقات رؤية 2030 لارتباط ذلك بجودة الحياة، وهذا ما يجعل التحدي قائمًا لتوسيع الاستفادة، لتحقيق مزيدٍ من الفوائد والعوائد المرجوة، سيما أن الخط الساحلي الممتد من الشمال للجنوب مؤهل بدرجة أولى للاستصلاح بمقومين عاليين:
• كونه متآخمًا لمدن كبيرة مما يجعل الاستفادة من المياه الرمادية المعالجة حلاً لتغطية مساحات كبيرة- على الأقل- لأشجار الظل والرعي- لإيجاد غطاء نباتي يلعب دوراً في الحد من الزحف الرملي، وتثبيت التربة، وتنقية الأجواء، والحد من الانبعاثات الكربونية الناتجة عن المصانع والحركة المرورية، وتقليص درجات الحرارة.
• يمكن الاستفادة من المياه المحلاة بعمل رشاشات موفرة لاستزراع تلك المناطق بالخضروات والنباتات والأشجار المثمرة، وبما يحقق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي.
▪️إيماءة:
مررت قبل يومين بـ (وادي عليب)، التابع لمحافظة الحجرة بتهامة الباحة، الذي يعد وجهة سياحية مميزة، بما يتمتع به أهمية تاريخية، إضافة لاكتسائه بالخضرة ووجود شجر الأراك بكثافة عالية، مع جريان الماء على مدار العام، إلا أن المريب حقًا زحف شجر ( السلم الأمريكي) بصورة كبيرة وخطيرة، مما يهدد بالقضاء على شجر الأراك الذي يشتهر به الوادي وربما تجفيف الماء الجاري!
ولعل من يسلك طريق الساحل مكة الليث يلاحظ أنتشار هذه الشجرة الشريرة على الجانبين بكثرة، الأمر الذي يتطلب القضاء عليها، لإتاحة استزراع ما هو أفضل وأنفع!
▪️إشادة واستزادة:
مع الإشادة بالجهود المبذولة التي تقوم بها وزارة البيئة لزيادة الغطاء النباتي بمملكتنا العزيزة، إلا أن المساحات الشاسعة الشاحبة تنتظر مزيداً من التوسع في الاستزراع، لتكون خضرة نضرة، ظلاً ونفعاً.
▪️خاتمة:
تزامنًا مع اليوم العالمي لمكافحة التصحر نفخر بجهود وطننا الشامخ المملكة العربية السعودية التي ترمي لاستصلاح الأراضي لمزيد من النماء والعطاء والاكتفاء!
أ. فلاح الزهراني
@alzahrani_falah
عضو جمعية إعلاميون