الخراب لا ينتهي بانتهاء المعارك..
تنتهي الحرب في الأخبار، لكنها تبقى في النفوس والبنى التحتية والعلاقات السياسية لعقود.
بعد الحرب نبدأ بإعادة الإعمار، اقتصاديًا وعمرانيًا، وقيل ذلك بمحاولات المصالحة، بين الأطراف المتنازعة أو الشعوب المتأثرة. وبعقد التحالفات الجديدة، فالدول تغير اتجاهها وتعيد تموضعها.
حالة الشعوب بعد الحرب، مزرية جداً. فقدان الثقة، الإحساس بالخذلان، وتغير في أولويات الحياة. وارتفاع في أعداد الأيتام، الأرامل، واللاجئين. وظهور جيل كامل ولد في زمن القصف والدمار، واحتياجاته ليست كغيره.
وماذا بعد أن يسكت الرصاص، وتخرس المدافع، وتتلاشى أصوات الانفجارات التي كانت تُرعب الليل؟
ماذا بعد أن تُطوى الخرائط، وتُوقّع الأوراق، وتُصافح الأيدي التي كانت مشغولة بالدم؟
تتوقف الحرب، لكن لا أحد يخبرك عن استمرارها داخل الإنسان.
تُبنى المدن من جديد، لكن من يعيد بناء الأرواح؟ تُفتح المدارس، وتُقام المهرجانات، وتُرفع الرايات، لكن كل ذلك يتم فوق قلب مُتعب، وذاكرة ترفض النسيان.
الحرب لا تكتب النهاية بل تفتح أبوابًا لأسئلة جديدة. من خسر حقًا؟ من عاد؟ ومن ظل هناك؟ كيف نعيش مع من كانوا يقتلوننا في الأمس، ويصافحوننا اليوم باسم السلام؟
تبدأ مرحلة الصمت الذي يصرخ. لا أحد يتكلم، لكن الجميع يئنّ. تمرّ الجنازات في الذاكرة، وتُخزّن الوجوه في زوايا القلب، وتُغلق النوافذ على صور من غادروا من دون وداع.
ووسط هذا الركام تنهض امرأة. تكنس ما تبقى من بيتها، وتُلبس أطفالها ثياب المدرسة، وتغرس شتلة ريحان في حوشٍ قُصف بالأمس. هكذا تبدأ الحياة.
فالحرب، مهما ادّعت أنها انتصرت، لا تملك قدرة الوقوف في وجه امرأة تبني، أو أم تصلي، أو شابة توثق، أو قلم يكتب لا لينسى، بل ليتجاوز .
الحرب تسرق الوقت، وتأكل الذاكرة، لكنها لا تقدر على قتل الأمل. وما بعد الحرب، ليس سلامًا دائمًا، بل اختبار طويل للوعي.
هل نستفيد من الدمار، أم نعيد إنتاجه بأقنعة مختلفة.
أ. هيا الدوسري
@HAldossri30
عضو جمعية إعلاميون