مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

المنظمات غير الربحية والمشاركة المجتمعية ..

‏لطالما كانت المنظمات غير الربحية بمثابة القلب النابض للعمل المجتمعي والتنموي اجتماعيا وثقافيا ورياضيا وغيرها ، إذ شكلت عبر العقود الماضية الذراع الذي يُعنى بتلبية الحاجات الإنسانية المباشرة، وتقديم الخدمات لمن هم في حاجة إليها، غير أن التوجهات التنموية الحديثة، القائمة على مفهوم الاستدامة والتحول المجتمعي، تُعيد رسم أدوار هذه المنظمات، لتتجاوز نمط “المقدّم – المتلقي”، وتدخل إلى فضاء أرحب قوامه المشاركة المجتمعية، حيث تُبنى الحلول بالتشارك، وتُدار الموارد بالتفاعل، وتُصاغ المبادرات من واقع الاحتياج الحقيقي.

‏في هذا التحول الجوهري، لم يعد الدور الأسمى للمنظمات هو تقديم الخدمة، بل تحفيز التمكين، وتحويل الأفراد من “مستفيدين” إلى “شركاء” في الحل، و”صُنّاع” للتغيير، وهنا تبرز المشاركة المجتمعية كمرتكز استراتيجي لا غنى عنه، يُمكّن المنظمات من تعظيم أثرها، وتعميق جذورها في الوعي الجمعي.

‏إن إدماج المجتمع في كل مراحل عمل المنظمة – من تحديد الاحتياجات وتشخيص الأولويات، إلى تصميم المبادرات، مرورًا بالتنفيذ والتقييم – لا يضفي فقط الشرعية المجتمعية على جهودها، بل يُكسبها أيضًا الأصالة، والدقة، والفاعلية، فالمشروعات التي تنطلق من وجدان الناس، وتتشكل وفق بيئتهم ومشكلاتهم وتطلعاتهم، تخرج أكثر واقعية، وأقرب إلى التحقق، وتُعبّر عن نبض الشارع لا عن تصورات مكتبية مجردة.

‏أما على مستوى الموارد، فإن المشاركة المجتمعية تُسهم في بناء رأس مال اجتماعي غني، حيث تنمو شبكات الدعم التطوعي، وتُفتح قنوات التمويل المجتمعي، وتترسخ الثقة بين المنظمة والبيئة المحيطة بها، فحين يشعر الأفراد أنهم شركاء حقيقيون في التغيير، فإنهم لا يترددون في منح وقتهم، وخبراتهم، وأموالهم، دعماً لمشروعات يشعرون أنهم شركاء في صياغتها ونجاحها.

‏كما تعزز هذه الشراكة من قدرة المنظمة على التأثير في السياسات العامة، إذ تصبح صوتًا يُمثل حاجات الناس وتطلعاتهم، لا مجرد جهة تنفيذية، وتغدو هذه المنظمات أكثر قدرة على التكيف مع الأزمات والتحولات، لأنها تستقي رؤاها من أرض الواقع، وتُصغي جيدًا لتغيرات السياق ومتطلبات المرحلة.

‏في الختام، أرى بأن تفعيل المشاركة المجتمعية بأسلوب منهجي متكامل ليس رفاهًا تنظيميًا، بل هو تحول فلسفي يُعيد تعريف جوهر العمل غير الربحي، ويضعه في قلب العملية التنموية بوصفه محفزًا للتحول من فكرة “مساعدة مؤقتة” إلى تمكين مستدام، ومن “تدخل خارجي” إلى حراك داخلي واع، وبهذا، تُصبح المنظمات غير الربحية بيوتًا للحلول، ومنصات للتفاعل، ومسارات حقيقية نحو مجتمع مشارك، واع، ومبادر.

 

د. يوسف الهاجري
‏@aboaadl2030
عضو جمعية إعلاميون

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop