ردي على منشور الدكتور سعود الغربي، حول حلقة “اختيار التخصص الجامعي بين الرغبة والإجبار”.
الدكتور الفاضل، والراصد الدؤوب لقضايا العقل والمستقبل، سعود الغربي، لكم منا تحية تليق بمن يسكن الحرف ويمتطي الفكر ويقود الوعي نحو ضفاف النور..
حين قرأت منشوركم المتعلق بالحلقة ١٤٨ من برنامج “أوساط الرأي”، شعرت وكأن النبض الإعلامي لا يزال قادرًا على أن يُحاكي الألم قبل أن يُطبطب عليه، وأن يستحضر الجرح لا ليبكيه بل ليعالجه بحوارٍ راقٍ، ونقاشٍ صادق، ومنبرٍ نزيه يحمل في طيّاته همًّا وطنيًا وتربويًا وأخلاقيًا عظيمًا.
فما بين الرغبة والإجبار، ثمة شبابٌ يُختبرون في معارك لم يختاروها، ويُلقون في دروبٍ لم يرسموها، فتضيع مواهب، وتُقبر أحلام، وتبكي الجامعات من ضجيج أقدامٍ تمشي بلا شغف، ولا تهتدي لهدف.
لقد لامستم في هذه الحلقة أحد أهم محاور تشكّل الإنسان المعرفي:
“حرية الاختيار ومسؤولية التوجّه الأكاديمي”.
فما أصعب أن يُخيّر الطالب في الظاهر، ويُجبر في الباطن!
وما أقسى أن يُطالب بالإبداع في تخصصٍ لم ينبض له قلبه يومًا، ولم يشهق به ضميره ولا وجدانه.
ومن روعة إدارتكم للطرح، وتنوع ضيوفكم، نلحظ حرصًا أصيلًا على أن يكون البرنامج لا مجرد صوت، بل ضمير مجتمعي يتفاعل مع كل أسرة، وكل شاب في مفترق طريق، وكل معلمٍ يحترق ليضيء السبيل.
الدكتورة نوف الغامدي، بأطروحاتها العقلانية العميقة، مثلت صوت التخطيط المستقبلي القائم على البصيرة، وليس فقط على التلقين والرتابة.
والدكتور غازي العوفي، بخبرته الميدانية والطلابية، جسّد همّ المؤسسة التعليمية من الداخل، حيث تُبنى القرارات، وتصاغ التوصيات، وتُلامس العوائق الواقعية.
كل سطر في هذا الطرح هو وقفة أمام مرآة الواقع، وكل كلمة هي مصباحٌ يُضاء في درب الأسر، والمستشارين التربويين، والطلاب المترددين بين ما يحبونه وما يُفرض عليهم.
لقد أعدتم بصوتكم وإخلاصكم تعريف الإعلام الثقافي والتربوي، وجعلتم من برنامج “أوساط الرأي” صوتًا ناطقًا بالحكمة، ومرآة للقلق النبيل، ومنبرًا لصوت لا يعلو على مصلحة الأجيال.
فطوبى لكم هذا الاتزان، وهذه الحيادية المخلصة، وهذه اللغة التي لا تهاجم بل تُوجّه، ولا تُدين بل تُبصّر، ولا تُملي بل تستنهض.
ختامًا، لكم مني – بصفتي مشاهدًا، ومربيًا، وإعلاميًا – كل الإكبار والإجلال على ما تنثرونه من وعي، وما تبثونه من طمأنينة في زمنٍ تتوه فيه الاتجاهات، وتتشابك فيه المسارات.
أنتم لا تقدمون حلقة إذاعية فحسب، بل تصنعون فصلًا جديدًا في كتاب الوعي السعودي.
د. أحمد الثقفي
@ahmadjeddah1440
مستشار إعلامي