مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

سوء الظن… مقصلة الأرواح أم يقظة الضمير؟

 

هناك شيء ما في سوء الظن يجعله مختلفًا عن باقي الأخطاء… ليس فقط لأنه يفسد العلاقات، أو لأنه يطفئ نور القلوب، بل لأنه يزرع الظلام في الروح نفسها. إنه أشبه بسم بطيء يتسرب في الأوردة، لا تشعر به في البداية، لكنك حين تلتفت تجد كل شيء قد مات: الحب، الثقة، الطمأنينة… وحتى صورتك عن نفسك.

يا من تُسيء الظن، لعلّك تظن أنك تنتصر لنفسك، أنك تحمي قلبك من الخيبة، لكن هل فكرت قليلًا؟
من قال إن سوء الظن يحمي القلوب؟
إنه لا يحمي، بل يجلد الأرواح كل ليلة… الأرواح التي تحبك بصدق، التي تنام على وسائد مبتلة بدموع كالجمر، تحرقها الشكوك التي لم تكن إلا أوهامًا في رأسك.

هل تسمع تلك الدموع وهي تناجي ربها ليلًا؟
“اللهم إنك تعلم براءتي… اللهم انتصر لي ممن ظلمني بسوء ظنه، وكسرني بشكوكه.”
دموع تُرفع إلى السماء لأنها لم تجد عدلًا في الأرض.

كل ذلك لأنك صدّقت وساوس شيطانك، وفتحت له الباب ليعيد تشكيل عالمك الداخلي كما يشاء. والنتيجة؟
أنك أصبحت أنت الجلاد… دون أن تدرك أنك أيضًا الضحية.
إن الظن السيئ… ظلم للنفس قبل أن يكون ظلمًا للآخرين

من يسيء الظن يظلم نفسه أولًا قبل الآخرين.
هو يعيش أسيرًا لأفكاره السوداء، يرى الخيانة في كل ابتسامة، والكذب في كل كلمة طيبة، والخداع في كل موقف نقي. قلبه ممتلئ بالريبة، روحه مشلولة بالخوف، وأيامه مُثقلة بظلال ثقيلة كأنها سحب لا تمطر إلا وجعًا.

أما فكرت يومًا أن هذه الظنون التي تحملها ليست حقائق؟
أنها مجرد صور مشوهة رسمها خوفك القديم، أو جراحك التي لم تلتئم؟
ماذا جنيت بعد كل هذا؟
ألم يبقَ لك سوى الأنقاض؟
أنقاض علاقات كانت يومًا ملاذًا دافئًا… أنقاض قلوب كانت تحبك بصدق ثم ابتعدت خوفًا من ظنونك… أنقاض ثقة كانت تسندك فسقطت تحت وطأة شكوكك.

لماذا أبعدت عنك أحب الناس؟
لماذا تركتهم يهربون منك كما يهرب المرء من بيت يحترق؟
أما كنت تستطيع أن تحتويهم بدل أن تحاصرهم باتهاماتك الصامتة؟
إن سوء الظن لا يجلب الحب، ولا يزرع الوفاء، بل ينفر القلوب حتى لو كنت أقرب قريب.
وحين يرحل الجميع عنك، ستبقى وحدك مع نفسك، وستسمع صوت داخلك يهمس في الظلام:

“لقد كنت أنت الجلاد… وأنت الضحية… وأنت خراب كل شيء.”

ستدرك حينها أن سوء الظن لم يكن حماية، بل كان خيانة… خيانة لعلاقتك بالآخرين، وخيانة لنفسك قبل كل شيء.

اتقوا الله… وأحسنوا الظن أما سمعتم قوله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظن، إن بعض الظن إثم”؟
لماذا كان الإثم في الظن؟ لأنه يهدم البيوت، يقتل الثقة، ويزرع الشوك في طريق الأرواح.
لأنه يجعل الإنسان مقبرةً لمشاعره قبل أن يكون مقبرةً لعلاقاته.

يا من تُسيء الظن، استيقظ قبل فوات الأوان.
افتح قلبك للنقاء، امنح الناس أعذارًا، ازرع في روحك حسن الظن كما يزرع الفلاح بذوره في الأرض… لعلها تُنبت يومًا سلامًا وطمأنينة.

لا تدع الشيطان يربح معركته الأخيرة فيك، ولا تجعل حياتك أطلالًا لعلاقات دفنتها بيديك.

اسأل نفسك الآن:
هل أنا حقًا أحمي نفسي؟ أم أنني أهدمها ببطء؟
هل أستحق كل هذا الظلام؟ أم أن قلبي يستحق النور؟
هل أريد أن أعيش محاصرًا بالخوف، أم حُرًا بالحب؟

الحياة قصيرة جدًا يا صديقي، والأرواح أرقّ من أن تُجلد كل ليلة بظنونك. لا تجعل قلبًا يذبل بسببك… ولا تجعل نفسًا تدعو عليك حين تظلمها بأوهامك.

إما أن تعيش نقي القلب، أو تموت وأنت تحمل وزر الأرواح التي كسرتها دون أن تدري. افق أيها الغافل…
فكل نفسٍ ظننت بها السوء كانت تحمل لك عذرًا، وكل قلب أسأت إليه ربما كان أنقى منك سريرة وأطهر منك قلبًا.

 

أ. هناء الخويلدي
‏@Hana69330082
عضو جمعية إعلاميون

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop