مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

لا ملائكة على الأرض!

قلت لعقلي ذات ليلٍ بارد:
لماذا يطالبوننا أن نكون ملائكة؟
أن نسامح بلا ذاكرة، نصبر بلا ضجر، نحب بلا قيد، ونتحمل الخذلان كأن قلوبنا من حجرٍ أبيض لا يتشقق.
ألا يعرفون أننا من لحمٍ ودم؟
أننا نحمل في صدورنا قلوبًا تخفق من الحب، لكنها تنكسر من الغدر؟
ألا يعلمون أننا أبناء الطين؟
وأننا لم نخلق لنحلق، بل لنمشي على الأرض مثقلين برغباتنا، بأحلامنا، وبحروبنا الداخلية التي لا يراها أحد؟

ردّ عقلي:
لأنهم نسوا أنكِ إنسانة…
لستِ ملاكًا يضيء السماء، ولا روحًا سماوية لا تعرف النزاع.
أنتِ الكائن الذي يتأرجح بين السماء والأرض، بين القداسة والدنس، بين الغفران والانتقام، بين الصبر والجزع.

حتى الصبر الذي يقدسونه…
ألم تفكري لماذا لم يُخلق في الملائكة؟
لأنهم بلا ألم يقاومونه، بلا جراح تلسع أرواحهم، بلا قلبٍ يخونهم في منتصف الطريق.
أما أنتِ…
فقد أمرتِ بالصبر لأنكِ الوحيدة التي تعرفين طعمه، الوحيدة التي تصرخ داخلكِ كل النزعات، ثم تحاولين إسكاتها في محاولة بائسة لاستئصالها من قلبكِ، من عقلكِ، من كل ذرة في جسدكِ.

قلت له:
لكن… ألسنا مطالبين بالكمال؟ ألسنا مدفوعين لنكون خيرًا محضًا؟

ابتسم عقلي بسخرية موجعة:
الكمال يا صغيرتي ليس إلا وهمًا ثقيلًا.
إنسانيتكِ ليست في أن تكوني طاهرة بلا خطيئة، بل في أنكِ تسقطين، تخذلين، تغضبين، ثم تنهضين.
أنتِ حقيقية فقط حين تحتضنين ضعفك، حين تعترفين بفوضاك، حين تصافحين وجعكِ بدلاً من طرده، لأن هذا وحده ما يجعلكِ تحيين

لسنا ملائكة…
لكننا نحمل فينا شيئًا أجمل:
نحن الذين نحب رغم الخيانة، نعطي رغم الجراح، ننهض رغم السقوط المتكرر، نختبر كل طيف من طيوف المشاعر، ثم نواصل العيش كأننا لم نُهزم ألف مرة.
هكذا نحن… خليط مقدس من النور والظلام، من العظمة والهشاشة.
إنسانيتنا تكمن في هذا الصراع، في هذا التيه، في هذه القدرة المدهشة على احتواء كل ما نحن عليه دون ادعاء.

قلت أخيرًا، هذه المرة بصوت صارخ يمزق السكون:
توقفوا عن إلباسنا أجنحة لا نملكها!
نحن لسنا ملائكة…
نحن بشر، نحمل في صدورنا جحيمًا وجنات، نزيفًا وأملًا، قبحًا وجمالًا.
نحن الخطأ والصواب، النور والعتمة، البداية والنهاية.
فلتتركونا نعيش بشريتنا كما هي… كاملة بنقصها، عظيمة بانكساراتها، نقية بكل فوضاها.
إنسانيتنا ليست عيبًا لنخفيه… بل معجزة لنعلنها بصدورٍ مفتوحة للريح.

 

أ. هناء الخويلدي
‏@Hana69330082
عضو جمعية إعلاميون

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop