بتوجيه من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وصل وفد سعودي رفيع المستوى إلى دمشق برئاسة وزير الاستثمار المهندس خالد بن عبدالعزيز الفالح، يضم أكثر من 130 رجل أعمال، لإقامة منتدى استثماري سعودي – سوري، وتدشين مشروع مصنع الإسمنت الأبيض في عدرا الصناعية، ومن المتوقع أن تتجاوز قيمة الاستثمارات 15 مليار ريال سعودي.
في لحظة فارقة من لحظات التاريخ العربي، وفي مشهد يُعيد صياغة معنى العروبة بعد أن بهتت في كثير من المحافل، وصلت إلى دمشق غيمة سعودية محمّلة بالخُطى الواثقة، لا تحمل في طياتها خطابات ولا شعارات، بل تحمل رؤية، وموقفًا، واستثمارًا في الإنسان قبل الحجر. وفد سعودي رفيع المستوى، ترأسه معالي وزير الاستثمار المهندس خالد بن عبدالعزيز الفالح، حطّ في العاصمة السورية، على رأس أكثر من 130 رجل أعمال ومُستثمر، في زيارة ليست سياسية فقط، ولا اقتصادية فحسب، بل إنسانية في جوهرها، عروبية في بُعدها، وفاءً لتاريخ، واستبصارًا بمستقبل.
تأتي هذه الزيارة بتوجيه مباشر من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي أعاد تعريف الدور السعودي في المنطقة، ليس فقط بصياغة التحالفات، بل بصناعة الأمل. فحين يختار ولي العهد أن تكون المملكة أول المبادرين نحو فتح آفاق التعاون مع سوريا، بعد سنوات من الجراح والانقطاع، فهو لا يمارس دبلوماسية ناعمة، بل يُعيد ضخّ الحياة في قلب الأمة المنهك، ويكتب على جدار العلاقات العربية جملةً جديدة: “نحن لا نترك شقيقًا خلفنا”.
برنامج الزيارة لم يكن مجرد تبادل مجاملات دبلوماسية، بل كان جدولاً واقعيًا متخمًا بالعمل، يبدأ بإقامة المنتدى الاستثماري السعودي السوري، ليكون نقطة التقاء بين رؤوس الأموال والخبرات، وبين طموح الإعمار وواقع الاحتياج. ويتضمن تدشين مشروع مصنع للإسمنت الأبيض في مدينة عدرا الصناعية، بريف دمشق، كخطوة أولى في مشروع نهوض لا تقتصر رمزيته على البُعد الصناعي فقط، بل تتعداه إلى البُعد السيادي، بأن تعود المصانع للدوران، وأن تُبعث الحياة من جديد في الأرض التي كانت مسرحًا للدمار.
أن تتجاوز قيمة الاستثمارات السعودية المتوقعة خمسة عشر مليار ريال، فذلك رقم لا يُقاس بوزنه المالي فقط، بل بمقدار الثقة التي تمنحها المملكة لفرص النهوض، وبعمق الإيمان بأن سوريا لا تُبنى بالتصريحات، بل باليد التي تمتد، وبالعقل الذي يخطط، وبالقلب الذي يُؤمن بأن مصير العرب مشترك، وأن الدم لا يُكفّر إلا بالخبز، ولا تُطفأ النار إلا بالزرع، ولا يُجبر الخراب إلا بالتعمير.
المملكة العربية السعودية، بهذا الحضور النوعي، تُعيد رسم خارطة العلاقات الإقليمية بلون مختلف، لا يقوم على المصلحة الباردة، بل على الدفء الإنساني، والموقف الثابت، والحكمة التي تقول إن الشام لا يُمكن أن تبقى خارج معادلة النهوض العربي، وإن الأمة لا تنهض بجزء منها وتترك الجزء الآخر يغرق. لم تكن السعودية يومًا من أولئك الذين ينتظرون الفرص، بل هي من يصنعها، ولم تكن ممن يشترطون الثمن مقابل الوقوف مع الشقيق، بل تمنح، وتمنح، ثم تُغلق دفتر الحساب.
من دمشق، تنبعث الرسالة مجددًا: أن السعودية كانت، ولا تزال، حين تعاهد، تفي. وحين تعد، تُنجز. وحين تفتح الأبواب، لا تكون عابرة، بل شريكة في البناء. هي التي أسندت، وساندت، وجاءت لا لتُقيّم الواقع، بل لتُغيّره. هي التي حضرت بثقلها السياسي والاقتصادي، ووقّعت على بداية فصلٍ جديد، في كتاب الأخوّة والتكامل العربي. هي التي جاءت إلى دمشق، لا كضيف، بل كأخت كبرى تحمل في حقيبتها مشاريع، وفي قلبها محبة، وفي عينها رؤية لا تنظر تحت قدميها، بل تُحدّق في المستقبل وتراه ممكنًا.
هكذا كانت المملكة دومًا، وحين تأتي الشام في طريقها، تُزهر البلاد، ويعود الضوء تدريجيًا إلى النوافذ التي أُغلقت يومًا بفعل الحرب. السعوديون لا يُعيدون فقط إعمار المباني، بل يُعيدون بناء الأمل.
أ. سعيد الأحمري
@Historian2080
عضو جمعية إعلاميون