مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

من يُعيد تعريف المسؤولية المجتمعية

 

المسؤولية المجتمعية لا تُقاس بالحجم، بل بالبُعد. ولا تنجح بالمبادرة وحدها، بل بمن يُصغي قبل أن يقرر.
في عمق العمل الاجتماعي، تبدو بعض الجهود لامعة لكنها بلا جذر، فقط لأنها لم تُبنَ على فَهْم واقعي للناس، بل على افتراضات مكتبية تُصاغ بعيدًا عن نبض الاحتياج الحقيقي. الفرق واضح بين برنامج يُنَفَّذ، وبرنامج يُحسّ به الناس.

لا يحتاج المجتمع إلى المزيد من الحملات، بل إلى القليل من الوعي الناضج. وعي يُدرك أن بعض المشكلات لا تظهر في الأوراق الرسمية، وأن بعض الاحتياجات لا تُطلب لأنها مرتبطة بالكرامة أكثر من الفقر.

الدور المحوري للباحث الاجتماعي لا يكمن في التنفيذ، بل في القراءة ما قبل الفعل. في من يلتقط ملامح الحاجة في صمت الأسر، ويترجم الإشارات غير المنطوقة التي لا يراها النظام بل يراها الحسّ الإنساني المدرب.

المسؤولية المجتمعية، حين تُدار دون مشورة المتخصص الاجتماعي، غالبًا ما تصبح تجميلًا مؤقتًا لواجهة تحتاج إصلاحًا في الداخل.
هنا، لا يكون الخلل في النية، بل في الغياب المعرفي العميق، حين تُتخذ القرارات بعيدًا عن عين تعرف الميدان لا تنظّر عليه.

بعض الفرق التنفيذية تنطلق من فكرة العطاء دون مراجعة كافية للوسيلة والغاية. فلا تُسائل الأثر، ولا تسأل: هل نحن نمنح ما يحتاجه الناس؟ أم ما نراه مناسبًا لهم؟ الفارق هنا ليس بسيطًا، بل حاسمًا.

في بعض المبادرات، يُختزل المجتمع في فئة واحدة أو سلوك واحد.
وهذا التبسيط يُفقد العمل روحه، ويحوّله إلى تكرار لا ينمو ولا يُضيف.
وحده الباحث الاجتماعي من يرى التشظي داخل المجتمع، ويقترح بناءً يشبهه، لا بناءً مفروضًا عليه.

المؤسسات التي ترغب في أثر حقيقي، تحتاج إلى أدوات تقييم اجتماعية دقيقة، تبدأ من الميدان، ولا تكتفي بالتقارير أو الانطباعات. وهذا لا يتحقق دون أن يكون صوت المتخصص الاجتماعي حاضرًا، لا كمُنفّذ، بل كشريك في الرؤية.

حتى الإعلام، حين يُلقي الضوء على الإنجاز المجتمعي دون مساءلة عمق الأثر، يُشارك – أحيانًا دون قصد – في خلق صورة مشوشة عن النجاح.
لكن حين يمنح مساحته للقراءة الاجتماعية، يتحول إلى رافعة وعي حقيقية.

ليس المطلوب زيادة عدد البرامج، بل رفع جودة الأسئلة:
هل ما نفعله يغيّر؟
هل نحن قريبون بما يكفي من الناس لنعرف ألمهم قبل حاجتهم؟
وهل ما نُقدّمه سيُثمر غدًا، أم يكتفي بالظهور اليوم؟

كل هذه الأسئلة تُصاغ في عقل الباحث الاجتماعي يوميًا.
وهي ما يجعله أداة إصلاح لا مجرد طرف إداري.

المسؤولية المجتمعية في حقيقتها ليست مشروعًا، بل فلسفة.
ليست عبئًا يُنجز، بل روحًا تُدمج داخل كل قرار، وكل سلوك مؤسسي.
وهي تفقد معناها متى غاب عنها من يُجيد قراءتها من الداخل.

الوعي لا يُفرض، بل يُصاغ.
والمجتمع لا يُحتوى بالمبادرات، بل بالشراكة الصادقة في الفهم.
والباحث الاجتماعي ليس تفصيلة، بل هو مرآة ترى ما لا يُقال.

 

بقلم: هويدا المرشود
@ahofahsaid111112
عضوجمعية إعلاميون

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop