مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

هنا الوطن.. وهناك صفعة؟

شاهدت مقطع الاعتداء على العائلة السعودية في إحدى الدول، وبجواري عائلتي، تحت ظل شجرة في إحدى غابات منطقة الباحة الجميلة، حيث الضباب يلف المكان، والمطر يهمس للأرض، والهدوء يحتضن اللحظة، والسكون يروي القلب امتنانًا.

لم يكن ما رأيته مجرد مشهد مؤسف، بل كان صفعة على وجه الوهم، وصوتًا صارخًا في أذن كل من يظن أن الجمال في الخروج، وأن الأمان في البعد، وأن القيمة في “ما وراء الحدود”.

لقد جاء المشهد فاضحًا لعقلية السفر القائمة على التكرار لا الاكتشاف، على التهويل لا الواقعية، على هوس التصوير لا وعي التجربة، ولا عمق المعنى.

في اللحظة التي شعرت فيها بدفء الأمان، ونعمة الرفقة، وجمال الطبيعة، تساءلت: ما الذي يدفع إنسانًا لترك هذا الوطن العظيم، بكل ما فيه من سكينة وجمال، ليسلّم نفسه وعائلته لمجهولٍ غاضب في شارعٍ بعيد؟

أيُّ سياحة تُبرر الإهانة؟ وأيُّ مغامرة تستحق أن يُعرّض فيها الأب أسرته لمشهد عنفٍ لا يُمحى من ذاكرة أطفاله، ولا يُمحى من وجدانهم الطريّ؟

هذا الوطن يا سادة، لم يعد وطن النفط فقط، بل أصبح وطن الجمال، وطن السياحة، وطن التجربة المتكاملة. فيه نمارق الأرض، وجبال تسرّ الناظرين، وأناس يفتحون قلوبهم قبل بيوتهم، ورجال أمنٍ أقسموا أن لا تُمسّ الكرامة ما داموا قائمين.

هنا، تُصنع تجربة سياحية متكاملة دون أن تُشهر جواز سفرك، ودون أن تقف في طوابير المطارات، ودون أن تتعلم لغة تبرّر بها لطفك أو غضبك أو استغاثتك.

دعوني أقولها بصراحة: الاعتداء على عائلة سعودية في الخارج لا يخصّهم وحدهم، بل يمسّنا جميعًا، ويستنهض وعينا الوطني، ويستوجب أن نعيد النظر في أولوياتنا السياحية، وأين نضع أقدامنا، وأين نضع ثقتنا.

بلادنا ليست فقط مكانًا نعيش فيه، بل عالمٌ حيّ يجب أن نُعيد اكتشافه. كل غابة في الجنوب، وكل واحة في الشمال، وكل شاطئ على السواحل الشرقية والغربية، هو صفحة من كتاب يستحق أن يُقرأ، لا أن يُترك على الرفوف بينما نلهث خلف المجهول.

في الخارج، قد تكون مجرد سائح بلا قيمة. أما هنا، فأنت ابن البلد، وأنت في عين الوطن، وأنت في صدر القانون، وأنت في قلب الحكاية التي لا تُروى إلا بك ومنك ولك.

هذه ليست دعوة للانغلاق، بل دعوة للوعي. ليست دعوة للمقاطعة، بل للتمييز. ليست تحذيرًا من الآخر، بل تذكير بما نملك من نعمٍ عظيمة قلّ من يشعر بها ويُدركها.

فإذا أردت أن تسافر، فلتكن رحلتك الأولى نحو وطنك. وإذا أردت أن تفتخر، فلتبدأ بجمال بلادك. وإذا أردت أن تنعم، فلتجعل الأمن هو وجهتك، والأمان هو خريطتك، والكرامة هي جوازك.

 

أ. سعيد الأحمري
‏@Historian2080
عضو جمعية إعلاميون

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop