كنا نحن جيل الأمس نحسب لأبينا ألف حساب، نرتبك إذا نادانا، ونقوم حين يدخل، ولا نجلس إلا بعد أن يجلس. صوته وحده كان كفيلاً بأن يعيد ترتيب هيبتنا الداخلية!
لم نكن نجرؤ على مناداته باسمه، بل بـ”يبه” أو “يبوي”، له صدر المجلس، والفنجال الأول، وكلمته لا تُرد.
نقف أمامه بأدب، لا نبدأ بالكلام إلا إذا أشار، ولا نطلب شيئًا إلا ونحن نحسب له ألف مرة. كان الأب رمزًا، مهابةً وهيبةً، وسلطةً حنونة لا تُكسر.
واليوم… تغيرت الملامح.
أقابل ابني فيبتسم ويصافحني قائلاً: “هلا أبو فلان!” وربما صفّق يده بيدي مازحًا، أو فاجأني بمقلب أو دعابة!
أدخل عليه، فأجده ممسكًا بهاتفه، بالكاد يرد السلام، وقد لا يلتفت أصلًا.
أطلب الشاي، فيرد: “تبي أصب لك؟” وكأن الأمر تفضُّل وليس واجب احترام.
أتساءل…
هل نحن من فقدنا المهابة؟
أم أن التربية تغيّرت؟
هل هذا هو نتاج “الحوار والاحتواء” الذي تروّج له الأساليب الحديثة؟
أم أن هيبة الأب كانت ترتكز على الصمت والخوف أكثر من الحب والتفاهم؟
ليس الهدف أن يعود الخوف، بل أن تبقى الهيبة مقرونة بالمحبة، والاحترام ممتزجًا بالقرب، فلا نكون آباءً بلا حضور، ولا أصدقاء بلا وقار.
د. علي السلامة
@tamimi3035
عضو جمعية إعلاميون