الوعي الذاتي.. هو أن تعرف أنك تعرف، وأن تلاحظ أفكارك ومشاعرك وهو بوابة لفهم العالم وفهم أنفسنا. لكنه، في بدايته قد يفتح الباب أمام ألم نفسي حاد لسببين أساسيين وهما
الإدراك الحاد للحقيقة ،فكلما ازداد وعيك بما حولك، أصبحت أكثر حساسية للتناقضات، وللمعاناة في العالم، وللهشاشة التي تغلف الوجود. فالشخص العابر بلا وعي عميق قد يمر على المواقف دون أن يشعر بثقلها، أما الشخص الواعي فيعيش التفاصيل بحدة تكاد تثقل روحه.
وتأمل الذات والزمان، فالوعي يجعلنا مدركين لمرور الوقت وللموت وللنقص في تجاربنا أو في ذواتنا. وهذا الإدراك قد يولد قلقًا وجوديًا أو شعورًا بالعجز أمام ما لا يمكن تغييره.
لكن هنا تكمن المفارقة الجميلة، الوعي الذي قد يوجعك، هو نفسه الذي يمكن أن يشفيك إذا أحسنت توجيهه. فالألم ليس نتيجة حتمية للوعي، بل لعدم التصالح مع ما يكشفه. عندما نتقبل الحقائق بدل مقاومتها يتحول الوعي من عبء ثقيل إلى قوة هادئة.
يمكن تشبيه الأمر بضوء ساطع في غرفة مظلمة: في اللحظة الأولى يكشف الغبار والفوضى، فيؤلمك المشهد، لكن إذا قررت ترتيب الغرفة بدل إطفاء النور، يصبح الضوء مصدر راحة، لا إزعاج.
الوعي مثل نافذة مفتوحة على اتساعها… يدخل منها الضوء ومعه الغبار العالق في الهواء في البداية يوجعك المشهد كيف لم ترَ من قبل كل هذا الغبار فوق رفوف روحك؟ كيف مشيت في حياتك غافلاً عن الشقوق في جدرانك؟
الوعي لا يخلق الألم… هو فقط يكشفه. هو المرآة التي تعكس ما حاولت إخفاءه خلف ابتسامة، والصوت الذي يهمس ..انظر… هذا أنت بلا أقنعة.
في البداية قد ترغب في إغلاق النافذة والعودة إلى الظلام الذي يحجب التفاصيل لكن مع الصبر تمتد يدك نحو المكنسة بدل الستائر وتدرك أن الضوء نفسه هو ما يرشدك للترتيب وللتصالح مع ما هو موجود وللفهم أن الغبار ليس عدوا بل جزء من حكايتك. هكذا يتحول الألم من جرح مفتوح إلى أثر، ومن عبء ثقيل إلى بصيره فالوعي حين تتبناه لا يوجعك، بل يحررك.
الوعي ليس خصماً عليك أن تهرب منه… بل باب يفتح على العالم كما هو لا كما أردت أن تراه قد يوجعك في بدايته لأنه يسحبك من منطقة الأمان الوهمي لكن الهروب منه لا يُطفئه بل يتركك عالقًا بين الحقيقة والوهم وحين يزداد وعيك لا تخفه. لا تتعامل معه كعدو يسرق راحتك بل كرفيق يضع بين يديك خريطة الطريق، خريطة تمر من أماكن الجمال كما تمر من مناطق العتمة… حتى تفهمها وتتصالح معها وتتعلم منها.
استقبل وعيك بلا غرور ولا شعور بالتفوق فالوعي ليس سلّمًا لتعلو على الناس بل جسرًا لتقترب منهم.
ولكي تسير معه بسلام، رافقه ببعض الاستراتيجيات؛ مثل التأمل الصامت .. لحظات تترك فيها الضوضاء خلفك لتسمع صوتك الداخلي بوضوح. وايضاً التعلم المستمر ..دع فضولك يكتشف وجهات نظر متعددة فتتسع خريطتك بدل أن تضيق. واتخذ من المحبة منهجاً لتقبل اختلاف ما حولك بمحبة فالفهم بلا محبة يتحول إلى برود والمحبة بلا فهم قد تنقلب إلى سذاجة.
حين تتبنى هذه الروح يصبح الوعي نهرًا يروي عطشك ،لا طوفانًا يجرفك…
ويصبح الحقيقة التي تقف أمامها بثبات، لا المرآة التي تخشاها.
أ. هناء الخويلدي
@Hana69330082
عضو جمعية إعلاميون