الإعلام لا يخبرك بما يحدث. يحدد ما ترى، ما تسمع، وما تشعر به قبل أن تقرر. يملأ وقتك، يصوغ تفكيرك، ويعيد صياغة وعيك دون أن تدري.
ليست كل الأخبار مضللة، وليست كل القنوات منحرفة. الصحافة النزيهة موجودة، لكن صوتها يختلط في بحر من الضوضاء المستهلكة.
المشكلة ليست في الإعلام، بل في الطريقة التي نستهلكه بها. نقرأ بلا تحليل، نعيد نشر ما يثيرنا أكثر مما يغذينا، ونصبح ناقلين للضجيج بدل أن نكون مراقبين.
الديتوكس الإعلامي ليس هروبًا، بل استعادة للسيطرة على الذات. إغلاق الشاشة، التوقف عن الاستهلاك التلقائي، إعادة تقييم ما ندخل عقولنا، كل خطوة تعيد القدرة على التمييز.
المعلومة بلا فحص تتحول إلى صوت بلا معنى. الصورة بلا تدقيق تصبح وهمًا مستهلكًا ويعاد تناقله. الترند بلا وعي يقصر التفكير ويطيل الحيرة.
الوعي ليس رفاهية، بل أداة نجاة.
«ديتوكس الإعلام» ممارسة لصوتك الداخلي، لا رفض للعالم أو إدانة للمهنة. التوقف عن التلقّي اللحظي يحررنا من تأثير مستمر، ويعيد القدرة على المراقبة والتفكير المستقل.
العالم لا يحتاج مزيدًا من القنوات، بل إلى متلقين يعرفون متى يسمعون ومتى يتوقفون. لا يحتاج إلى ضجيج أكبر، بل إلى صمت مدروس وانتباه يضع الحقائق في مكانها الطبيعي.
ديتوكس الإعلام تمرين على الحرية الداخلية. حرية النظر، حرية التفكير، حرية اختيار ما يدخل وعيك وما يظل خارجه.
وفي النهاية، اللحظة الحقيقية تبدأ حين تتوقف عن التكرار، وتنظر بعينك، وتقرر بنفسك. حينها لا يعيد أحد صياغة رؤيتك، ولا يُسلب منك فهمك. في هذا الصمت، يبدأ العالم حقًا، وحينها يصبح وعيك هو الخبر الوحيد الذي لا يمكن لأي إعلام أن يغيّره.
أ. هويدا المرشود
@hofahsaid111111
عضو جمعية إعلاميون