مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

دور النشر بين الوعود والتقصير

دار بيني وبين مجموعة من الزملاء والزميلات من الكُتّاب والكاتبات نقاش حول مؤلفاتهم وما يواجهونه من معاناة مع بعض دور النشر، التي لا تلتزم ببنود العقود، مما أدى إلى ضياع حقوقهم الأدبية والمادية، رغم محاولاتهم الحثيثة للوصول إلى حلول مرضية.
هذا النقاش أثار في نفسي حماسًا كبيرًا، ودعاني إلى كتابة هذا المقال، لا سيما أنني أعيش ذات المعاناة، وأجد نفسي في خضم هذه المعمعة التي تمسّ كل مؤلفٍ حقيقي يؤمن بقلمه وحقه.

فلم يعد صمت الكُتّاب تجاه بعض دور النشر مبرَّرًا، فالكلمة التي تُكتب بصدق، لا ينبغي أن تُقابل بتجاهل أو نكران.
كثير من المؤلفين اليوم يشكون من إخلال دور النشر ببنود العقود المبرمة بينهم، سواء في نسب الأرباح، أو تزويدهم بعدد النسخ المتفق عليها، أو حتى في إيداع الكتاب ضمن المكتبة الوطنية.

إنّ الكتاب ليس سلعة عابرة، بل ثمرة فكر وجهد وسنين من الكتابة والمراجعة، وحين يُهضم حقّ الكاتب، تُهدر قيمة الكلمة ذاتها.
وما يؤسف له أن بعض دور النشر، وهي تمثّل واجهة ثقافية للمجتمع، تتعامل مع الكاتب بعقود شكلية، لا تُنفَّذ إلا على الورق، وكأنّ القلم الذي صاغ المعرفة لا يستحق احترامًا في المقابل.

قصة تتكرّر بصورٍ مختلفة، لكنها تبدأ دائمًا بالعقد ذاته، والوعود ذاتها، وتنتهي بالخذلان ذاته.
كاتب ينتظر صدور كتابه تزامنًا مع المعرض، فيؤجَّل الإصدار إلى منتصف المعرض، ثم إلى ما بعده، ثم إلى “قريبًا” الذي لا يأتي.
وما بين توقيع العقد وانتظار التنفيذ، يُترك المؤلف معلقًا بين الأمل والخذلان، يبحث عن إجابة، ولا يجد سوى الصمت.

والجميع يشتكي من دور النشر:

يقول أحد الكتّاب: “جربت قبلُ مع دارٍ معروفة، ولم أحصل منهم على حقٍّ ولا باطل، كلّ مسؤول يرميني إلى آخر، وكأن حقوق الكُتّاب تُدار بين الأقسام لا بين القلوب”.
ويضيف آخر: “دفعت ثمن نسخي، بينما لم تصلني نسخي المجانية، وسؤالي عن عدد النسخ المباعة بقي بلا جواب”.

وتقول إحدى الروائيات: “رغم أنني نشرت عددًا من كتبي ورواياتي عبر أكثر من دار نشر، إلا أن التجربة لم تكن كما كنت أتمنى. رواياتي وكتبي طُبعت ووُعدت بأنها ستُوزّع وتُعرض في المعارض، لكنها بقيت حبيسة المستودعات أو وعود التوزيع”.
في بعض الحالات، علمت أن الطبعة نُفدت دون أن أُبلّغ أو أُزوّد بنسخة من المبيعات، وفي حالات أخرى طُبع الكتاب على حسابي ثم انقطعت المتابعة تمامًا.

أملك أعمالًا عدة: روايات، وكتب تربوية وثقافية، بعضها وصل إلى أكثر من طبعة، لكن ما زلت أبحث عن دار نشر تُقدّر المؤلف، وتحفظ له حقه، وتمنحه الثقة بأن جهده لن يُهمل بعد توقيع العقد.
ولذلك قررت إعادة طباعة مؤلفاتي على حسابي الخاص، حتى أضمن أن كتبي تصل إلى القارئ كما أريد، وأن كل كلمة كتبتها ترى النور بصدق ووفاء.

إنها مشكلة تتجاوز سوء التنظيم، لتصل إلى غياب المصداقية، وكأن توقيع العقد أصبح شكليًّا، لا يحمل من الالتزام سوى الحبر الذي كُتب به.
ما بين كاتبٍ ينتظر، ودارٍ تبرّر، تضيع الكلمة بين الأوراق، ويخفت صوت من كان يحمل الحلم في دفتي كتاب.

إننا نحتاج إلى مراجعة جادّة من الجهات المختصّة، وإلى نظام يُلزم دور النشر بالوضوح والوفاء، لا لتقييدها، بل لحماية الكاتب والقارئ على حدٍّ سواء.
فالكتابة ليست تجارةً باردة، بل رسالة تليق بالصدق.

ورغم هذا الواقع، سيبقى الكاتب يكتب، لأنه لا يعرف إلا أن يكتب.
قد يؤخَّر كتابه، وقد تُهمل حقوقه، لكن كلمته ستصل يومًا ما، كما تصل كلّ البدايات الصادقة، وإن تأخّر صداها

لقد آن الأوان لوجود جهة رقابية أو لجنة مختصّة من هيئة الأدب والنشر والترجمة تتابع تنفيذ العقود بين الطرفين، وتضمن للكاتب حقه المادي والمعنوي، كما تحافظ على مصداقية دور النشر الجادة التي تؤدي عملها بأمانة ومهنية.

إنّ الكاتب لا يطلب المستحيل، ولا يبحث عن الشهرة فقط، بل يطالب بالإنصاف والوضوح، وأن يُعامل قلمه بالعدل الذي يليق بكرامة الحرف.
فالكلمة التي تُنشر بلا عدل، كغصنٍ مقطوع من شجرة فكرٍ كان يمكن أن تُثمر لو وجدت تربةً نزيهة تُنبت فيها.

وأخيراً ؛ ربما لم تعد المشكلة في عقدٍ يُوقَّع، بل في وعدٍ يُخلف وصوت كاتبٍ لا يُسمع.
لقد تحوّل حلم النشر لدى البعض إلى رحلة انتظارٍ طويلة بين الردود الباردة والوعود المؤجلة، حتى بات بعض الكُتّاب يشعرون أن دور النشر لم تعد “دورًا” للاحتواء، بل متاهةً من الأعذار.
ومع ذلك، سيبقى الكاتب هو الأكثر صبرًا، لأنه يكتب من صدق، ويؤمن أن الحرف الحقيقي لا يُطفأ، وإن تأخّر عن الظهور.

 

أ. هيا الدوسري
‏@HAldossri30
عضو جمعية إعلاميون

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop