في كل مرة تصعد فيها تيما عابد إلى منصة العرض تشعل في القلوب شيئًا من الدهشة وكثيرًا من الإحساس، لكن في عرضها الأخير بالرياض لم تكتفِ أن تكون مصممة أزياء فحسب، بل تحولت إلى راوية حكاية أنثى بكل ما تحمله من شغف وتناقض ودهشة.
كانت الليلة مختلفة منذ بدايتها، المكان يضج بالفخامة والأنظار مشدودة نحو تلك المنصة التي ستنطق بالأنوثة على طريقتها الخاصة.
بدأ العرض بصمت يشبه انتظار المطر، ومع أول إطلالة كان واضحًا أن المشاعر ليست خلف الكواليس بل على المسرح نفسه.
اختارت تيما عنوانًا لافتًا لمجموعتها الجديدة “فوضى” لكنها لم تقدم الفوضى بمعناها المبعثر، بل كحالة شعورية مرتبة بإتقان، فكل قطعة كانت تمثل شعورًا محددًا؛ التمرد والشغف والحنين والاتزان بعد الانكسار.
الألوان بدت جريئة، والخامات تتداخل كما تتداخل المشاعر داخل قلب امرأة. في بعض التصاميم قسوة معدنية، وفي أخرى نعومة حالمة، وكأنها تقول من خلال الخيوط: (الأنوثة ليست ضعفًا، بل مزيج من القوة والرقة حين تجتمعان في قلب واحد).
في التفاصيل وحدها تتكلم تيما، قصّات غير مألوفة، خطوط تتحدى النمطية، الأسود كان سيد المشهد، لكنه لم يكن سوادًا حزينًا، بل لونًا يحرس العمق والهيبة. وحين لامس الضوء الأقمشة الشفافة بدا وكأنه يترجم ما في داخل المرأة من وضوح وغموض في آن واحد.
كل قطعة كانت رسالة، رسالة من امرأة إلى العالم تقول فيها: (أنا لا أعرّف بجمالي، بل بما أشعر به، وبما أستطيع أن أعبّر عنه دون أن أتكلم).
لم يكن العرض فنيًا فقط، بل إنسانيًا حتى اللحظة الأخيرة، ففي نهاية العرض وبين تصفيق الجمهور وضوء الكاميرات انهمرت دموع تيما عابد كأنها تودّع شعورًا عاش داخلها طويلًا ثم خرج إلى الحياة عبر القماش والخيط والإبرة.
ذلك البكاء الصادق كان أجمل من كل ما قُدّم، كان لحظة عريٍّ إنساني وسط عالم يلهث خلف المظاهر، لحظة قالت فيها المرأة بصدق: (ما صممته لم يكن أزياءً، بل فصولًا من نفسي).
في نهاية الأمسية لم يتحدث الناس عن القصّات أو الألوان فقط، بل عن التجربة نفسها، عن تلك الأنثى التي استطاعت أن تحوّل مشاعرها إلى رؤية بصرية وتكتب حضورها بخيوط من صدق.
عرض “فوضى” لم يكن مجرد عرض أزياء في الرياض، بل عرض مشاعر بلغة أنثى ناضجة تؤمن أن الإبداع يبدأ حين تصغي لقلبك قبل مقصك. تيما عابد أثبتت أن الأنوثة ليست زينة، بل حالة فنية تترجم ما في الداخل، وأن الجمال الحقيقي هو أن تعبّر المرأة عن ذاتها بطريقتها التي تدهش الجميع.
أ. ذكرى الشبيلي
@pbthdw
عضو جمعية إعلاميون