مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

“الذكاء الاصطناعي… يُعيد تشكيل الإعلام”

في زمن تتسارع فيه الابتكارات التقنية بشكل مذهل، لم يعد الإعلام مجرد وسيلة لنقل الخبر، بل تحول إلى صناعة متطورة تقودها الخوارزميات والبيانات الضخمة. ومع صعود الذكاء الاصطناعي، دخلت صناعة الإعلام مرحلة جديدة تُشبه الثورة؛ ثورة تعيد صياغة طريقة إنتاج المحتوى، وتغيّر شكل العلاقة بين الوسيلة والجمهور، وتطرح في الوقت ذاته تساؤلات عميقة حول المصداقية والشفافية ومستقبل المهنة الإعلامية.

حيث أصبحت المؤسسات الإعلامية تستعين بالأنظمة الذكية في كتابة الأخبار العاجلة، تحرير الفيديوهات، وحتى تحليل بيانات الجمهور في ثوانٍ معدودة. هذا التطور جعل العملية الإعلامية أسرع وأكثر دقة، كما مكّن المنصات من تقديم محتوى مصمم بدقة ليلائم اهتمامات المتلقي. لكن هذه الميزة أثارت جدلًا واسعًا حول فقاعات المعلومات التي قد تحاصر الجمهور بأفكار متشابهة دون تنوع في الآراء.

وشهدت بعض القنوات الإخبارية إطلاق مذيعين افتراضيين قادرين على العمل بلا توقف. ورغم أن هذه التجربة وفرت تكاليف التشغيل ورفعت من حجم الإنتاج، إلا أنها تفتقر إلى “العاطفة الإنسانية” التي تميز المذيع البشري وتجعل تواصله مع الجمهور أكثر تأثيرًا.

إضافة إلى ذلك أحدث الذكاء الاصطناعي نقلة نوعية في عالم الإعلانات الرقمية، حيث باتت المنصات قادرة على تحليل سلوك المستخدمين لتقديم رسائل دعائية شخصية لكل فرد. عن طريق هذه التقنية التي رفعت من كفاءة الحملات الإعلانية وزادت من عوائد المؤسسات الإعلامية، لكنها في الوقت ذاته أثارت مخاوف حول خصوصية البيانات وحماية المستهلك.

وبالرغم من استخدام الذكاء الاصطناعي لإنتاج محتوى مضلل عبر “التزييف العميق”، فإنه في الوقت ذاته وفر أدوات قوية لمواجهته. فقد طورت المؤسسات الإعلامية أنظمة قادرة على كشف الصور والفيديوهات المفبركة والتحقق من دقة المصادر بسرعة عالية، مما عزز مصداقية الأخبار.

ويمثل الذكاء الاصطناعي أحد أهم إسهامات في كسر حاجز اللغة. حيث أصبحت الترجمة الفورية تمكن المؤسسات الإعلامية من نشر تقاريرها وبرامجها بلغات متعددة لحظة بلحظة، ما أتاح لها الوصول إلى جماهير عالمية بلا قيود جغرافية أو لغوية.

والذكاء الاصطناعي لم يقتصر على الحاضر فقط، بل امتد إلى الماضي أيضًا. إذ ساعد في تنظيم الأرشيفات الإعلامية الضخمة وربطها بالكلمات المفتاحية، ما سهّل استرجاع المواد التاريخية. كما مكّن المؤسسات الإعلامية من تحليل ملايين المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي لرصد اتجاهات الرأي العام وفهم اهتمامات الجمهور بشكل أفضل.

ولقد غيّر الذكاء الاصطناعي خريطة الإعلام بشكل جذري، وجعل المؤسسات أكثر قدرة على إنتاج محتوى أسرع وأدق، لكنه في الوقت ذاته فرض تحديات معقدة تتعلق بالشفافية والمصداقية والأخلاقيات. ويبقى النجاح مرهونًا بقدرة المؤسسات الإعلامية على تحقيق التوازن بين التقنية والإنسانية، ليظل الإعلام شاهدًا على الحقيقة، لا مجرد انعكاس لخوارزميات تحكمها الآلة.

 

أ. عبد المحسن القطان
@a_alq28
عضو جمعية إعلاميون

 

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop