في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتغير فيه التقنيات بوتيرة غير مسبوقة، أصبح الإعلام الرقمي عنوان المرحلة الجديدة من التواصل الإنساني. لم تعد الصحف الورقية وحدها مصدر الخبر، بل انتقل الإعلام من الورق إلى الشاشة، حاملاً معه ثورة في المفهوم والممارسة.
كان الإعلام التقليدي يعتمد على الصحف الورقية والإذاعة والتلفزيون كمصادر رئيسية للمعلومة، في حين غيّر الإعلام الرقمي قواعد اللعبة، فبمجرد وقوع الحدث، ينتشر الخبر في ثوانٍ عبر المنصات الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي.
هذه السرعة الهائلة جعلت من الإعلام الرقمي اللاعب الأبرز في تشكيل الرأي العام وصناعة الوعي الجمعي.
أبرز ما يميز الإعلام الرقمي هو أنه منح الجمهور صوتًا وتأثيرًا. لم يعد المتلقي ينتظر الخبر، بل أصبح يشارك في صناعته ونشره، من خلال التفاعل، والمشاركة، والبث المباشر.
لقد ظهر جيل جديد من صناع المحتوى الذين أصبحوا ينافسون المؤسسات الإعلامية التقليدية بفضل قدرتهم على الوصول إلى الناس بطرق مباشرة وعفوية.
أتاح الإعلام الرقمي فرصًا واسعة للتعبير الحر، وسهّل الوصول إلى المعلومة بسرعة ودقة، كما خفّض تكاليف الإنتاج الإعلامي وفتح المجال أمام الإبداع في عرض القصص الإنسانية والوثائقية بأساليب مبتكرة تجمع بين النص والصورة والصوت.
لكن هذه الثورة لم تخلُ من التحديات، إذ تزايد خطر المعلومات المضللة و”الأخبار الزائفة”، خاصة مع غياب المعايير المهنية لدى بعض صناع المحتوى.
وباتت المؤسسات الإعلامية مطالبة اليوم بالحفاظ على مصداقيتها وسط زحام الأخبار السريعة، وبموازنة السرعة مع الدقة، والتفاعل مع الالتزام بالمهنية.
يبدو أن المستقبل لا يحمل عودة إلى الورق، بل مزيدًا من التطور في الإعلام الرقمي. فمع تطور الذكاء الاصطناعي، ستصبح التجربة الإعلامية أكثر تخصيصًا وتفاعلية، حيث يتلقى كل مستخدم المحتوى الذي يناسب اهتماماته مباشرة.
من الورق إلى الشاشة، لم يكن التحول مجرد انتقال في الوسيلة، بل نقلة فكرية وثقافية غيّرت مفهوم الإعلام ودوره في المجتمع.
وبين السرعة والمصداقية، يبقى التحدي الأكبر هو الحفاظ على القيم المهنية التي تجعل من الإعلام الرقمي وسيلة لبناء الوعي لا لتشويهه.
أ. سمر الصباح
@ssamarsab
عضوٍ جمعية إعلاميون