في زمنٍ صار فيه الظهور أهم من الجوهر، والضجيج وسيلة للبقاء، يركض كثيرون خلف الأضواء وكأنها خلاصهم الوحيد. لم يعُد السؤال: ماذا أقدّم؟ بل أصبح: كم يشاهدني الناس؟
هكذا تحوّلت الشهرة من ثمرةٍ للتميّز إلى غايةٍ في ذاتها، ومن وسيلةٍ للتأثير إلى مسرحٍ كبير للتمثيل.
اللاهثون خلف الضوء لا يبحثون عن الحقيقة، بل عن التصفيق. يتقنون فنّ المظهر أكثر مما يتقنون جوهر المعنى. يعيشون في دائرة من الانبهار المؤقت، يغيّرون مواقفهم كما يغيّر الممثل أدواره، ويستبدلون مبادئهم كلما تبدّل “الترند”.
هم لا يريدون أن يكونوا صادقين، بل أن يُرى أنهم كذلك. لا يحملون فكرًا حقيقيًا، بل يردّدون شعاراتٍ زائفة تبدو براقة على الشاشات ومجوّفة في الواقع.
لكن الشهرة الزائفة، كأي وهجٍ مصطنع، لا تدوم. إنها نار صغيرة تضيء للحظة ثم تُطفئ نفسها بدخان الكذب. فالذي يعيش ليُرضي العيون، يُفقد نفسه حين تُغلق الشاشات. وحين يسكت الجمهور، يبقى صدى صوته بلا معنى.
القيمة الحقيقية لا تُقاس بعدد المتابعين، بل بصدق الأثر. الصمت العميق أحيانًا أبلغ من ألف ظهور، والموقف الصادق أخلد من ألف شعار.
إن النور الحقيقي لا يأتي من فلاشٍ خارجي، بل من داخلٍ صافٍ لا يطلب التصفيق، ولا يخشى الغياب.
فاحذر أن تلهث خلف الضوء حتى تنسى من أنت. فالوهج الزائف جميل للحظة، لكن الحقيقة وحدها هي التي تبقى حين تنطفئ الأضواء.
أ. ربيعة الحربي
@RBS_2030
عضو جمعية إعلاميون