اعتذار وزيرٍ إسرائيلي للمملكة ليس حدثًا عابرًا؛ بل مؤشرٌ على ميزان قوى جديد تصنعه الرياض بثبات المبدأ ووزن الاقتصاد وحنكة الدبلوماسية.
لم تعد المملكة العربية السعودية بحاجة إلى أن ترفع صوتها لتُسمَع؛ فمجرّد موقفٍ سعودي كفيلٌ بإعادة ترتيب طاولاتٍ كثيرة. الاعتذار الذي قدّمه وزيرٌ إسرائيلي للمملكة عقب تصريحٍ مسيء، لم يكن مجرّد تصحيح لفظي، بل إقرارٌ عملي بأنّ الرياض اليوم فاعلٌ مُحدِّد في الإقليم، وصوتٌ يُؤخذ بالحسبان دوليًا.
منذ إطلاق رؤية السعودية 2030، انتقلت المملكة من تعريفٍ تقليدي يقوم على الطاقة إلى تعريفٍ أوسع: قوةٌ سياسيةٌ واقتصاديةٌ وثقافية تُوازن بين الحزم واللين وتُمسك بخيوط المصالح المتشابكة. نجاحات التنويع الاقتصادي، وتموضع صناديق الاستثمار، وقيادة مبادرات الطاقة والاقتصاد الأخضر، جميعها منحت السياسة الخارجية رصيدًا تفاوضيًا يَظهر أثره في كيفية تعاطي العواصم مع الرياض.
والسعودية، وهي تُدير ملفاتٍ معقّدة في محيطٍ مضطرب، تُصرُّ على بوصلةٍ واضحة: كرامة الدولة وسيادتها ليست موضوعًا للتجربة أو المساومة. لذلك جاء الاعتذار سريعًا وواضحًا؛ لأن الرسالة السعودية أبسط من أن تُساء قراءتها: من يخطئ يتراجع، ومن يتجاوز يعتذر، ومن يطلب علاقةً ندّيةً يجدها عندنا قائمةً على الاحترام والمصالح المتبادلة.
إن ما حدث يبرهن أن القوة لم تعد في السلاح؛ بل لقدرة الدولة على صناعة البدائل، وبناء التحالفات، وضبط إيقاع السوق، والتأثير في القرارات الدولية. هنا تتجلى الرياض: مركز ثقلٍ مالي، وطاقةٍ، ولوجستيات، وسياحة، وثقافة، ورياضة—تراكمٌ نوعيٌّ يمنح الدبلوماسية صوتًا هادئًا… لكنه مسموعٌ جيدًا.
في الختام؛ الاعتذار ليس غايةً بقدر ما هو نتيجة طبيعية لمكانة تشكّلت عبر سنواتٍ من الإصلاح الداخلي والحضور الخارجي. ستظل المملكة تُذكّر الجميع بأن الاحترام لا يُنتزع بالشعارات، بل يُبنى على المبدأ والقيمة والإنجاز؛ ومن أساء فهم ذلك—سيعتذر… ثم يتعلّم.
أ. شادية الغامدي
@shadiyah_gh
عضو جمعية إعلاميون