5/3/2022
أحياناً نشعر أن الحياة تضعنا في اختبارات متكررة، وتنقلنا بين طرقات متعرجة ودروب ملتوية، وكأنها تختبر قدراتنا، وتفجّر طاقاتنا، وتخرج مكنوناتنا، وتصقل شخصياتنا، فتعرض أمامنا اختياراتنا، وتوضح لنا إمكاناتنا، فتقدم لنا المعطيات، وتوضح لنا المحاذير، وتحدد لنا المؤثرات، وتشرح لنا الاحتمالات، ثم تطلقنا في أرجائها في عالم الامتحانات، لنجرب ونحاول، وننجح ونفشل، ونتقدم ونتأخر، ونقاوم ونستسلم،ونقبل ونرفض.
فنحن معها وكأننا في لعبة تنقلنا من مرحلة لمرحلة، وفي كل مرحلة تزداد الصعوبة وتتقلص الاختيارات، وتتضاعف المهمات، ولنتجاوز كل ذلك نحتاج لعدد من المهارات،صبرٌ وتفكير، وتحملٌ وحسن تقدير، وإن تعثرنا نقف ونسير، ولن يصل إلا من واصل المسير.
ومن بين اختباراتها تلك ما نحن بصدد خوضه الآن من شد وجذب، وعودة للجدّ بعد لعب، وما كان يُقضى بالبُعد صار يُطلب بالقرب، والمنصة عادت مدرسة كما كانت، والروابط تحولت لورقة والحقيقة بانت.
تقلبنا بين كفتي الظروف، فتارة نشعر بالأمن وأخرى يعترينا الخوف، ومن هنا تختلف الآراء حول كل قرار، ما بين رفض وتأييد، ومن تسهيل لتشديد، ومن قديم لجديد، ومن ذلك ما رصدناه من ردات فعلٍ حول قرار العودة إلى المدارس، وإقرار الاختبارات الحضورية وخصوصاً بعد انقضاء عامين تعود فيها أبناؤنا على الاستهتار في أداء الإختبار، والاتكال على الأهل في حل كل سؤال، واختراع الأعذار بالحال لأي تقصير أو إهمال، فأرجعوا غيابهم لانقطاع الانترنت، وعلقوا تقصيرهم على حاولت الدخول وما استطعت، فأضحى استيعابهم بطيئا، وضعيفهم على الغش جريئا، ووالله إن النت من ألاعيبهم بريئا، حتى أصبح الكسول متفوقا، والمهمل متميزا، والغائب حاضرا، فالمقاييس اختلفت، والمستويات تدهورت، والنتائج ابتعدت عن الحقيقة ومن المثالية اقتربت.
وحتى لا يفقدوا كل تلك الامتيازات، ولا يرجعوا لأرض الواقع بعد أن حلقوا في سماء النجاحات، ولأنهم يرفضوا أن يكشف القناع عن حقيقتهم، ويظهر مستواهم الحقيقي والذي ازداد سوءا بعد فترة قضوها في الكسل والاتكال، حتى أعجبهم الحال فساءهم أن يتغير.
فأصبحت الاختبارات الحضورية شبحاً يطارهم، وكابوسا يؤرقهم، وقرارا يزعجهم، وتنفيذه سيتعبهم، ونتائجه ستحرجهم، ولأنهم لا يملكون تغييره، وكسره لا يسعهم تجبيره، لم يعد أمامهم سوى مواجهته والاستعداد له بأسلحته، ولن ينتصروا عليه إلا بتجاوزه وهذا لن يكون إلا بتقبّله والاستعداد له.
فهم يمتلكون الأدوات التي تمكنهم منه، وما عليهم سوى البحث عنها وتهيئتها للقيام بدورها، فما زال الوقت أمامهم مفتوحا للاستعداد، ومازالت الفرصة مواتية للجهاد، وحسبهم من تلك الأدوات شيئاً من العزيمة والإصرار، وقدراً من الثقة بالنفس وإطلاقها وكسر الحصار، وشحذاً للهمة وتفرغاً للاستذكار، والحرص على أداء الاختبار، والتطلع للنجاح فهو بشرعهم سيكون أكبر انتصار، فحربهم من الداخل، وعدوهم جيشاً من المخاوف والأفكار، لا يدحرها إلا العقل ولا يفتك بها إلا الفعل، ولا يبددها إلا العلم.
وكلها جنود في صفّنا، ودروع في جيشنا، وأسود في غابنا، فإن تولينا زمامها وأحسنّا قيادتها لكنّا الأقوى بلا جدال، وسننتصر حتماً في أي نزال، ويصبح الاختبار أسهل مما كان، والنجاح له عنوان.
فهنيئا لمن فعل، والعزاء لمن فشل.