مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

الأندية تتآكل بصمت

04/02/2025

في كرة القدم، هناك أندية تصنع التاريخ وأخرى تكتفي بالمشاهدة، فالنجاح ليس وليد الصدفة، بل نتيجة عمل دؤوب وتخطيط دقيق وتصحيح مستمر للأخطاء قبل أن تتحول إلى أزمات، والهلال، النادي الأكثر استقرارًا ونجاحًا، ليس بمنأى عن التراجع، إذ يثبت التاريخ أن أي نادٍ يتوقف عن مراجعة إستراتيجيته وتطوير أدواته يصبح معرضًا للسقوط مهما كان ماضيه حافلاً بالإنجازات، فالتراجع لا يحدث فجأة، وإنما يبدأ بإهمال التفاصيل والتعلّق بالماضي والانجراف وراء العاطفة، وهو طريق سريع للسقوط.

كيف يتجنب الهلال السيناريو الأسوأ؟

يواجه الهلال هذا الموسم اختبارات صعبة تتمثَّل في أخطاء تحكيمية مؤثِّرة وضغط المنافسة وإصابات غير متوقَّعة، غير أن التحدي الأكبر يكمن في كيفية التعامل معها، فالتاريخ القريب يحمل دروسًا واضحة تثبت أن التراجع الإداري والقرارات العاطفية والإدارة غير الحازمة للأزمات كانت عوامل رئيسية في سقوط فرق كبرى كانت تظن أنها لا تسقط، والنصر مثال واضح على ذلك، حيث أدى التخبط الإداري وسوء التخطيط إلى تراجع نتائجه في المواسم السابقة رغم امتلاكه أسماء كبيرة مثل كريستيانو رونالدو، فكيف يمكن للهلال تجنب هذا المصير؟

التحكيم.. بين الضعف والارتباك

التحكيم عنصر أساسي في عدالة المنافسة، لكنه يصبح مشكلة حين يتحول إلى مصدر للجدل بدلاً من أن يكون أداة للإنصاف، وما حدث في مباراة الهلال والقادسية لم يكن مجرد خطأ تحكيمي عابر، بل نقطة تستدعي التوقف، حيث شهدت المباراة قرارات مثيرة للجدل وأخطاء واضحة وتجاهلاً لتقنية الـVAR التي يُفترض أن تكون صمام الأمان ضد مثل هذه المواقف، مما يطرح تساؤلات جوهرية حول دور حكام الفيديو، فإذا لم يكن دورهم تصحيح الأخطاء الواضحة، فما فائدتهم إذن، ولماذا يتحول الـVAR أحيانًا إلى أداة لتبرير الأخطاء بدلاً من تصحيحها؟

ما الحل؟

التكيّف مع التحديات واستباقها برؤية إستراتيجية تحول الأزمات إلى فرص وتضمن استمرار التفوق على المنافسين، مما يتطلب اتخاذ خطوات استباقية وإعادة صياغة فلسفة إدارة الفريق داخل وخارج الملعب عبر الخطوات التالية:

1. بناء منظومة استكشاف المواهب الداخلية: الهلال بحاجة إلى استثمار أعمق في أكاديميته، وتطوير جيل جديد من اللاعبين القادرين على سد الثغرات الفنية. فبدلاً من الرهان الدائم على سوق الانتقالات والصفقات المكلّفة، يجب أن يكون هناك توجه حقيقي نحو صناعة اللاعبين محليًا، كما تفعل أندية مثل برشلونة وبايرن ميونيخ.

2. تعزيز الفكر الإداري الرياضي: كفاءة الإدارة لا تقل أهمية عن الأسماء داخل الملعب. الفريق بحاجة إلى نموذج إداري أكثر احترافية يعتمد على البيانات الضخمة والتحليل المتقدم للأداء، ليس فقط لتقييم اللاعبين، وإنما لتوقّع نقاط الضعف في المنافسين واستغلالها بذكاء، تمامًا كما تفعل الأندية الكبرى مثل مانشستر سيتي وليفربول.

3. تطوير الأسلوب التكتيكي وفقًا للخصوم: امتلاك أسلوب لعب قوي لا يكفي، بل يجب أن يكون للهلال مرونة تكتيكية، بحيث يتمكّن من تغيير إيقاعه خلال المباريات وفقًا لظروف المواجهة، وليس فقط الاعتماد على الاستحواذ أو الضغط العالي كنهج ثابت. ريال مدريد مثال واضح على فريق يجيد التكيّف مع المنافسين، وهذا ما يجب أن يعتمده الهلال.

4. خلق ميزة تنافسية في الإعداد الذهني: البطولات تُحسم في التفاصيل الذهنية بقدر ما تُحسم في الأداء البدني والفني. الفريق يحتاج إلى برامج إعداد نفسي تجعله أكثر صلابة في اللحظات الحرجة، وتمنع التأثر بالضغوط الإعلامية أو الجماهيرية. هذه النقطة كانت أحد أسرار نجاح أندية مثل يوفنتوس وبايرن ميونيخ في الحفاظ على مستوياتهم لسنوات طويلة.

5. استثمار العلامة التجارية في قوة الفريق: النجاح الرياضي لا ينفصل عن النجاح المؤسسي، والهلال يمتلك فرصة لتعزيز صورته عالميًا عبر توظيف استثماراته في بناء فريق جذاب للمواهب العالمية، وتوسيع قاعدة جماهيره دوليًا، ما ينعكس إيجابيًا على استقطاب اللاعبين والتعاقدات المستقبلية. باريس سان جيرمان نموذج واضح في هذا الجانب.

6. عدم انتظار الجولات الأخيرة لحسم الدوري: تأجيل الحسم إلى الأمتار الأخيرة مغامرة غير مضمونة العواقب. الهلال بحاجة إلى إستراتيجية لحسم النقاط الثلاث في كل مباريات الدور الثاني، ما يجنبه الدخول في دوامة الحسابات المعقدة في نهاية المسابقة.

الهلال أمام خيارين: الاستمرار في القمة أو التآكل بصمت

الأندية لا تسقط فجأة، لكنها تتآكل بصمت، والهلال اليوم عند مفترق طرق؛ فإما أن يستمر في صناعة التاريخ، أو يبدأ في التراجع التدريجي الذي يصعب تداركه لاحقًا، إذ لا يكمن التحدي الحقيقي في امتلاك فريق قوي فقط، بل في القدرة على الحفاظ على هذه القوة عبر التخطيط المستدام والتكيّف مع المتغيرات، فالنجاح ليس لحظة عابرة، إنما استمرارية تتطلب رؤية مستقبلية واضحة، لأن التاريخ لا يرحم الفرق التي تعيش على أمجادها، ولا يمنح الفرص لمن يكرر أخطاء غيره.

 

م. سطام آل سعد

‏@Sattam_Alsaad

عضو جمعية إعلاميون

 

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop