13/12/2022
التواصل البشري هو فطرة تعود بتاريخها إلى منشأ الخليقة ، فالإنسان لا بد أن يتواصل مع محيطه، و قوة التواصل و فعاليته هي التي تحدد موقع الإنسان أو الحضارة من غيرها. الإعلام هو أحد أشكال التواصل الذي يقوم على بث الأفكار أو الأخبار أو غيرها من المرسل إلى المتلقي.
و الإعلام بالطبع قديم قدم التواصل البشري ذاته ، و ضارب في التاريخ كالبلاغات و الأخبار التي كان يتم بثها للناس في مختلف الحضارات و بالطرق المختلفة ، حول حياتهم أو حروبهم أو الجديد بمدنهم و مجتمعاتهم ، ويلعب الإعلام دوراً جوهرياً و حيوياً في تسيير الرأي العام وتكوين القناعات عند الشعوب كما يريد ويرغب المرسل الذي يبث أفكاره عبر الوسائل الإعلامية المختلفة ، ولهذا الأمر إيجابيته كما أن في الوقت نفسه يحمل خطورة كبيرة .
منذ أواخر القرن الماضي، تعرض الكوكب لثورة تقنية معرفية معلوماتية هائلة ، قلبت المفاهيم و غيرت كل شيء ، حولت العالم إلى قرية صغيرة ، تبث أخبار بريطانيا في الصين ، وتسمع أخبار طوكيو في شوارع نيويورك ، و مع هذا التحول المعرفي الهائل ، و كنتيجة طبيعية له ، تغيرت مفاهيم البشر حول التواصل فيما بينهم ومع العالم الخارجي ، فأصبح كل شعب تواقاً لسماع أخبار الشعوب الأخرى ، و أصبح التفاعل بين الحضارات المختلفة في أوجه وأقوى أشكاله منذ بدء الخليقة .
إذا نظرنا إلى الأمر بشكل سطحي ، فإن هذا أمر في غاية الروعة ، العالم كله يتواصل مع بعضه و الحضارة البشرية موحدة تفصل بين أقصاها و أدناها بضع لحظات من سفر الإشارة الإلكترونية لتصل من المحيط إلى المحيط ، لكن لنلق نظرة أكثر عمقاً و دراسة، سنجد الأهوال والغرائب !
عولمة التواصل و رقمنة الإعلام جعلت من السهل التلاعب بالرأي العام العالمي ، و الأسهل هو ضخ و توريد الأفكار إلى مكانها المقصود ، وأصبحت الدول العظمى في العالم تُسير الوسائل الإعلامية حسب مصالحها و سياساتها ، فتراها تشن حرباً على دولة فقيرة أو مستضعفة و تبررها بالحرب على الإرهاب ليصدق العالم بأجمعه ذلك !
لنحصر الأمر في واحدة من أخطر وأكثر الوسائل العالمية تأثيراً في الرأي العام و خاصة فئات الشباب ، إنها وسائل التواصل الاجتماعي (السوشيال ميديا) وليدة القرن الواحد والعشرين ، الجمل الوديع الذي يلتهم عقول البشر كيفما يريد ، وعلى شاشات هواتفهم و في منازلهم وأسرتهم .
ظهرت السوشيال ميديا لتوحد العالم بشكل أقوى ، و تربط بين الشعوب بنقر زر أو إجراء اتصال أو رسالة نصية ، و مكنت العالم من التواصل بأسهل و أسرع الطرق وأكثرها إغراء و جذباً ، لكن المُخيف حقاً هو الأفكار التي يتم غرسها في منشورات السوشيال ميديا ، العالم الواسع الذي يشكل اكتشافه تحدياً ممتعاً أمام كل شاب أو فتاة ، خصوصاً في مجتمعاتنا العربية .
و انطلاقاً من قاعدة “كل ممنوع مرغوب” ينجر الكثير من أبناء مجتمعاتنا خاصة الشباب إلى المنشورات و الصور والأفلام التي تضخ أفكاراً غربية معينة بحد ذاتها ، لأهداف و أجندات لدى منفذيها وناشريها ، و بالتدريج نجد الفرد قد ارتدى زي الأوروبيين كما تصورهم الأفلام و الأخبار، و بدأت لديه حالة التمرد على المجتمع و رفضه ، ليدخل في دوامة الضياع و ينجر إلى ما لا يُحمد عقباه .
و الجدير بالذكر أن هذه الثقافة الغربية المسيئة التي يتم ضخها عبر السوشيال ميديا تتبع لصفحات و حسابات عربية ! بينما لو تواصل الفرد نفسه الذي اقتنع بها و سار عليها مع أبناء الغرب من اوروبا وأمريكا لوجد أن لديهم من العلم والتقدم والحضارة الشيء الكثير الذي يمكن أن ينتفع به .
الخطير في الأمر أن هذه الثقافة الهجينة يتم تصديرها كمادة جاهزة غير قابلة للنقاش ، وبطريقة مغرية و جذابة تجعل الفرد جاهزاً لتقبلها دون البحث أكثر في أي موضوع تتحدث به، يأخذ ما يراه فقط دون اعتبار لأي شيء آخر .
و مما لا نقاش فيه ، أن تغيير فرد سيعني بالنهاية تغيير مجتمع كامل ، و مما لا يحتمل الخلاف ، أن لكل شيء حدين ، فالإعلام الحديث و وسائل التواصل الاجتماعي جعلت المعرفة في متناول الجميع و فتحت الطريق أمام الناس لبناء حضارة بشرية متقدمة قائمة على التواصل والاستفادة من بعضهم البعض ، فهل هي سم أم عسل ؟! ذلك برأيي يحدده الفرد نفسه ، حين يختار ما يريد أن يتلقى عبر هذا الإعلام !