يُعدّ السلام العاطفي أحد أهم مظاهر النضج النفسي والاتزان الداخلي الذي يسعى إليه الإنسان طوال حياته. فهو تلك الحالة من الطمأنينة التي تمنحه القدرة على مواجهة ضغوط الحياة ومواقفها المختلفة دون أن يفقد هدوءه أو يستسلم للتقلبات المزاجية. لكنّ بلوغ هذا السلام ليس أمرًا سهلًا، إذ يحتاج إلى وعيٍ عميق وإدارة حكيمة للمشاعر، ومن أبرز مفاتيح تحقيقه فنّ التغافل.
إنّ التغافل لا يعني الجهل أو اللامبالاة، بل هو تصرف واعٍ يُعبّر عن ذكاء عاطفي وقدرة على التحكم في الذات. فالتغافل هو أن ترى الموقف المزعج بعين الحكمة لا بعين الانفعال، وأن تختار الصمت حين يكون الكلام وقودًا للنزاع، وأن تمنح نفسك راحة البال بدلًا من مطاردة الأخطاء الصغيرة التي لا جدوى من تضخيمها. إنه قرار بالسلام لا بالضعف، وبالحكمة لا بالاستسلام.
ومن جهة أخرى، فإنّ السلام العاطفي لا يمكن أن يتحقق في بيئة يمتلئ فيها القلب باللوم والعتب الدائم. فالتغافل هنا يأتي كدرعٍ واقٍ يحمي المشاعر من الإنهاك، ويسمح للنفس بأن تتنفس بحرية بعيدًا عن عبء التفاصيل المزعجة. وكلما مارس الإنسان التغافل بوعي، ازدادت قدرته على التسامح مع الآخرين، وفهمهم من منظور أرحب وأكثر إنصافًا.
وفي العلاقات الإنسانية على اختلافها، يُعدّ التغافل أحد أسرار دوام المودة. فالحياة اليومية مليئة بالمواقف العابرة وسوء الفهم، ومن الحكمة ألا يُعامل الإنسان كل خطأ على أنه جرح يستحق المعاقبة، بل أن يرى خلف الزلة نية طيبة أو تعبًا أو سهوًا. وبهذا السلوك الراقي، يزرع جوًّا من الأمان النفسي، ويُرسّخ أُسس التفاهم والرحمة، فيسود السلام في القلب والعلاقة معًا
إنّ التغافل ليس ضعفًا في الشخصية، بل قوة ناعمة تحفظ للقلب صفاءه، وللحياة توازنها. فكلما ارتقى الإنسان في وعيه، أدرك أن تجاهل ما يؤذي راحته هو أعظم هدية يمكن أن يمنحها لنفسه.
“كن كبيرًا بالتغافل، فليس كل ما يُقال يستحق الرد، ولا كل ما يُرى يستحق الالتفات.”
أ. وفاء الشهري
@Wafa_aljanoob
عضو جمعية إعلاميون