مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

اللغة الصامتة

12/2/2022
كان مقالنا السابق عن لغة المسافات الجسدية بين البشر والكائنات الحية عمومًا وعرضنا تقسيمات إدوارد هال الأربعة للمساحة الشخصية المحسوسة والتي حددها هو بأرقام محددة لكننا اكتفينا بطرحها بشكل عام. في آخر المقال تساءلنا إن كانت تلك الحاجة لمساحة شخصية مقدرة كحاجته مثلًا لدائرة بقطر متر أو مترين حوله لا يقترب من حيزها أحد كافية كي يشعر بالراحة أو هو محتاج لمساحة من نوع آخر؟

بالرغم من حاجة الإنسان لتلك المساحة الشخصية المادية والمحسوبة بطريقة معقدة حتى وإن كانت خفية لكن يبقى الإنسان بحاجة لمساحة شخصية أخرى معقدة جداً ليس فقط لحماية جسده بل حياته وتوازنه واستقراره.

لدى الكثير من الناس عادة سيئة وهي الحديث عن حياتهم الشخصية خصوصًا مع وجود وسائل التواصل الاجتماعية والسعي الحثيث للشهرة بأي طريقة كانت مما يجعلهم كالكتاب المفتوح لمن حولهم وفريسة سهلة للمتصيدين بكل أنواعهم. لكن لدى الكثير أيضًا عادة أسوأ وهي السؤال عما لا يعنيهم كحياة الآخرين وأمورهم الشخصية. يتعلم الإنسان عن طريق السؤال والاستفسار لكن سؤال المرء وتدخله فيما لا يعنيه لا يكون إلا لإشباع رغبة الفضول والتطفل على حياة الآخرين والتي بإمكانها أن تغذي صفات أخرى كالحسد والطمع والنميمة وغيرها.

نحن هنا نتحدث عن مساحة معنوية تختص بحياة الإنسان الشخصية وأموره الخاصة التي إن خرجت للعلن فلن تضيف لأحد أي فائدة بينما بإمكانها تدمير حياة الشخص نفسه. مثال على ذلك هي أمور الإنسان العاطفية أو تفاصيل حالته المادية. لذلك قيل : اكتم عن الناس ذهبك وذهابك ومذهبك. أما ذهبك فهو مالك ونعم الله عليك والإفصاح عنها سيضعك إما في موضع الحسد والاستغلال أو الشفقة والإذلال. أما ذهابك فكل ما تنوي عمله وخططك المستقبلية سواء كانت وظيفةً، زواجًا، سفرًا وغيره. لقد نصح نبي الله يعقوب ابنه يوسف عليهما السلام بألَّا يقصص رؤياه على إخوته فيكيدوا له كيدًا خوفًا عليه من حسدهم وكيدهم.

أما مذهبك فتعني إيمانك وقناعاتك ومعتقداتك وما تحب وتكره. فمن الأفضل ألا يتحدث الإنسان عن نفسه وأفكاره إلا للضرورة وأن يتفادى الجدالات العقيمة. إذاً تكتّم على هذه الأمور الثلاثة وكل ما ينطوي تحتها وما يمت له بصلة أو أي شيء تشعر أن لا حاجة للناس لمعرفة وبإمكانه ضرك.

وتتحكم المسافات المعنوية كثيرًا في المسافات الشخصية الجسدية فتتمدد الأخيرة أو تتقلص بحسب قوة أو ضعف الأولى وبإمكانها في بعض الأحيان تعريض حياة الإنسان واستقراره للخطر.

على الرغم من أن مهارة الفصل بين الحياة الشخصية والحياة العامة هي مهارة صعبة جدًا لكن يتحتم علينا جميعًا تعلمها وإتقانها وتعلم لغة المسافات النفسية والجسدية، محاولة معرفة مسافات الكائنات الحية واحترامها، تحديد مسافاتنا الشخصية وإيضاحها شفهياً وبكل صراحة إذا لم ينفع التلميح!

الناشر : صحيفة اليوم

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop