مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

الموظف.. عون أم فرعون؟!

22/7/2023

 

حتى لا تذهبوا بعيداً، ويتصور البعض أن هذا المقال يتحدث عن موظف بعينه، لذلك أود التأكيد أن صفة الموظف المقصود بها في عنوان المقال، ترمز لكل موظف، سواء حكومي أو خاص أو حتى رجل أمن، فكلُ من يعمل بمقابل حتى يؤدي خدمةً للناس، أيًّا كان منصبه فهو المقصود بهذا المقال؛ علماً أنني لا أعمم ولكن أتحدث عن الحالات السلبية وارتكاب “الظلم” أو اقتراف “الخطأ” من الموظف، بحق عمله ووطنه والمصلحة العامة وبحق الناس؛ بحجة النظام أو التنظيم.
وهذا الموظف مهما صغرت مرتبته أو رتبته، أو كانت عالية، وبلغت أن يكون وزيراً، فهو ذلك الموظف الذي تقع عليه الأمانة بكل مستوياتها، فكل ما كبر وعظم دوره، كبرت وعظمت أمانته ومسؤوليته أمام الله، فالحديث الشريف يقول: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”.
نعود على (عون وفرعون)، فهذان الاسمان لهما دلالتهما عند العرب والمسلمين عامة، على الرغم بأن لديهم قاعدة شهيرة في اللغة العربية، وهي أن الأسماء لا تعلل، ولكن غالباً  يفعلون عكس ما يقولون، ويسمّون “عون” تفاؤلاً بدلالته الإيجابية من “الفزعة” وغيرها، ويستحيل يسمّون “فرعون” بحكم أنه لقب ارتبط بالظلم ممثلاً بحاكم مصر ودلالاته السلبية، وقصته المريعة في القرآن الكريم.
وهناك مثل شعبي سعودي دارج “بغيناه عون.. صار فرعون”، وهو يطلق للدلالة على (خيبة الأمل)، في المسؤول، الذي توقع منه الناس الخير، فلقوا منه الخيبة تلو الخيبة، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، وتصرّفه مشيئة الخالق عن طريق الناس عاجلاً أو أجلاً، فلا يلحقه سوى الذكر السيئ والدعوات القاسية.
ومن المنطق والواقع، أن يتصور البشر في كل بقاع الدنيا، بأن الموظف وظف من أجل خدمتهم، لا لجلدهم بصورة أو أخرى، وهذا الإحساس والإيمان ، نجده موقفاً طبيعياً جداً مع أي مسؤول، سواءً عظم دوره وكبر شأنه، أو كان دوره بسيطاً أو مسؤولاً عن خدمة عادية، ولكن هذه الخدمة ترتبط بحياة الناس، بأي صورة كانت، وبالتالي تكون الأمانة مضاعفة معهم، ثم مع ولي الأمر ومع الخالق جل جلاله. وهناك حديث شريف يشخص هذه الحالة ومآلاتها: «اللهم من وَلِيَ من أمر أمتي شيئًا فَشَقَّ عليهم، فَأشْقُقْ عليه، ومن وَلِيَ من أمر أمتي شيئًا فَرَفَقَ بهم، فَارْفُقْ به».
وبلا شك أي وظيفة لها أهميتها وأمانتها، ولكن هناك وظائف فيها الخطورة أعظم وأكبر، مثل موظفي القطاعات الطبية، الهندسية، الأمنية، التعليمية، والغذائية؛ لأن أضرارها قد تؤذي الكثير والكثير من الناس – لا قدر الله-.
وهنا أضيء قنديلاً في الدروب المظلمة وساحات العمل اليومية، التي قد تشهد أي نوع من الظلم، حتى وأن كان إيذاء نفسي في أبسط صوره، وأوصي كل موظف وكل مسؤول وكل مقدم خدمة، بأن يراعي الله في كل شيء يخص هذا العمل وخدمة الناس، وأن يعمل بنية صافية وأمانة صادقة، وأن لا ينتهي يوم عمله إلا وقد راجع نفسه وبيّض صحيفته مع خالقه، وأن لا “يشخصن” الأمور، وأن يسمو بنفسه ومكانته. فعلينا جميعاً الانحياز للآخرة مدركين بأن العمل زائل والدنيا منقضية بشكل أو أخر، ولا يبقى سوى الأثر الطيبة والسمعة الحسنة التي تجلب الدعاء لنا من ناس ربما لا نعرفهم، ولكن فعلنا الفعل الحسن ومضينا لسبيل ربنا.

ختاماً، هذه الفرعنة التي قد تحدث من أي موظف، تحاربها الأنظمة والقوانين في كل دول العالم، وهذا ما نص عليه النظام السعودي، بأنه يحظر على الموظف إساءة استخدام السلطة ونفوذها لمصالحه الشخصية بأي شكل كان . وفصّل النظام بأنه في حال لم يلتزم الموظف أو أي شخص بالقوانين والأنظمة والتعليمات المقررة، وثبت بحقه ارتكاب جريمة إساءة استخدام السلطة أو إساءة نفوذ، لمصلحته الشخصية ولإلحاق الضرر والأذى بالغير سواءً أفراد أو كيانات، فإن عقوبة استخدام السلطة تكون بالسجن لمدة لا تزيد على 10 سنوات، أو بدفع غرامة مالية. ومع ذلك نادراً ما وجدتُ وسائل الإعلام لدينا، تنشر أي تفاصيل تخص موظفاً، طبق بحقه عقوبات هذا النظام، لأنه أضر بمصلحة فرد أو مجموعة أو فئة بعينها في المجتمع، أو بمنطقة على حساب منطقة أخرى أكثر استحقاقًا وأولى خدمةً.

د. سعود الغربي
مؤسس ورئيس جمعية إعلاميون
@S_F_Algharbi

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop