مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

النفاق الاجتماعي.. ليس ذكاء عاطفياً!

5/2/2024

‏عاتبني أحد الزملاء على رأي مهني اتخذته عن قناعة ودراسة، واصفًا ذلك الرأي بأنه بالرغم من سلامته وأهميته، إلا أنه افتقد لـ «الذكاء العاطفي»، مما نتج عنه مقاومة وردة فعل سلبية؛ كان يُستَحسن – حسب قوله- تجنّبها. وعندما سألته عمَّا يقصده تحديدًا بعبارة «الذكاء العاطفي»، كان الرد هو أنه «القدرة على فهم عواطف الآخرين وميولهم ورغباتهم، وعواطف ذاتنا وميولها ورغباتها، ثم توظيف نتيجة ذلك الفهم كمُرشد ومُوجِّه لقراراتنا وآرائنا كإعلاميين، وما نقوله أو نكتبه للآخرين!».. وبناءً على ذلك، فإن القرار الصائب – في رأيه- كان في قيامي بتعديل وتحوير رأيي بشكلٍ يُراعي ميول ورغبات الأشخاص ذوي العلاقة، ويتفادى الصدام بها، حتى لو استلزم الأمر قيامي بالتخلي كلياً عن ذلك الرأي!.
وبالرغم من إيماني التام بأهمية العلاقات الإنسانية، وضرورة مراعاة عواطف الناس ومشاعرهم، إلا أني وجدتُ أن تلك النصيحة (العتاب)؛ هي أقرب لمفهوم النفاق الاجتماعي منه لمفهوم الذكاء العاطفي. وفي اعتقادي أن هذا التفسير الخاطئ – والخط الرفيع الذي يفصل بين المفهومين- هو أمر يتطلب المزيد من تسليط الضوء والتوضيح، خاصةً في ظل الانتشار والوَلَعْ المتزايد بمفهوم الذكاء العاطفي، والذي يمكن ملاحظته من خلال الأعداد الكبيرة للمحاضرات والدورات والمقالات حوله، بالإضافة إلى الكتب المصنف بعضها ضمن قوائم الأكثر مبيعاً، سواءً باللغة العربية أو الإنجليزية.

ووفقاً للدكتور Daniel Goleman، الذي أوجد هذا المفهوم عام 1995، فإن الذكاء العاطفي Emotional Intelligence هو «قدرة الشخص على التحكم في مشاعره، والتعبير عنها للآخرين بشكلٍ ملائم وأكثر فاعلية»، مُعتبراً امتلاك هذا الذكاء بمثابة المؤشر الأكبر للنجاح في العمل.

وتلافياً للخلط الشائع بين مفهومي الذكاء العاطفي والنفاق الاجتماعي، والذي جعل البعض يرون في المُداهنة والتملُّق مهارة مشروعة لاكتساب شعبية الجمهور، ونيل رضا المسؤولين، والترقية السريعة، فإن من المهم التأكيد على خطأ هذا الخلط وعدم أخلاقيته، وأنه لا علاقة له بمفهوم الذكاء العاطفي، الذي وضع له دكتور Goleman خمس سِمَات هي:
1- الوعي بالذات: وهو يُمثِّل حجر الأساس للذكاء العاطفي، فالشخص غير القادر على فهم نفسه؛ لن يكون بمقدوره فهم الآخرين، وتكوين علاقات طيبة معهم.

2- التحكم بالذات: ويعني القدرة على تحكم الشخص بعواطفه، وسيطرته عليها في المواقف الصعبة، وعدم السماح لها بتوجيه تصرفاته.

3- الحافز الذاتي: الشخص الذكي عاطفياً؛ يمتلك طموحاً نابعاً من داخله، ولا تتحكم به الحوافز الخارجية، مثل المال والمنصب، (وهو يضحي بهما في سبيل قيمه ومبادئه).

4- التعاطف Empathy (وليس العطف): ويعني حرص الشخص ومراعاته لمشاعر وعواطف الآخرين، (وليس بالضرورة انقياده لها).

5- المهارات الاجتماعية: وتعني القدرة على امتلاك ثقة الآخرين، وكسب ودّهم واحترامهم.
ختاماً، إن وعينا وفهمنا لهذا الخلط الخاطئ بين مفهومي الذكاء العاطفي والنفاق الاجتماعي (والإعلامي)، هو خطوة ضرورية لتلافي تفاقم ظاهرة النفاق والتزلف الضارة، والحيلولة دون تطبيعها وشرعنتها.

 

د. سعود كاتب

skateb

عضو جمعية إعلاميون

 

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop