15/6/2022
هي من أكثر العلاقات غموضاً بالرغم من أنها أكثرها للعيان وضوحاً،وهي من أقوى الروابط حقيقة ولكننا أصبحنا نراها من أضعفها ظهورا، وهي من أنقى البديهيات عامة، وإن أصبحت من أكثرها تشوها ونفورا، وهي من أحقِّ الحقوق وأوجب الواجبات ولكنها وللأسف أضحت من أكثرها تهاوناً وتقصيرا، إحقاقها عبادة وأجرها يظل كبيرا ولكننا نتجاهلها زيادة حتى أصبح الأمر جدا خطيرا، مفهومة من الجميع بلا استثناء، ومعترف بها في جميع النواحي والأرجاء، وموجودة بلا اختيار ولا قرار ونعتمد عليها في السراء والضراء، وبالرغم من كل ذلك يبدو أن الجميع عجز عن فهم حقيقتها، أو تفسير مصادر قوتها، إو إدراك السبب وراء استسلامنا لسيطرتها، أو امتلاك الجرأة للاستغناء عنها أو إنكارها، فإن حدث ذلك يوما مع أحدهم ، أعاده عقله وأنكرته نفسه ولامه حدسه دون أن يعلم من الذي لامها، أو ما الذي أعاده بعد أن أمسك بيده للأمور زمامها وأعلن عصيانه وانصاع لنفسه وطبق إعلانها.
والمضحك في الأمر أننا جميعا وبالرغم من كل ذلك نسيء فهمها، ونعجز عن إعطائها حقها، أو إنصافها وإظهار فضلها، تُتَّهم ظلما وجورا بأنها تَحَكُمٌّ وتخريب وهي في الحقيقة صقل وتهذيب، ويُنظر لأفعالها على أنها قسوة وجبروت وهي في الواقع لين ورحمة في الحياة إلى ما بعد الموت، ونرغب بالاستغناء عنها، ونتطلع إلى الانفصال. ولكننا لا نقوى على ذلك وإن حاولنا سندرك أنه أمر محال ، وهي الوحيدة التي تبدأ من قبل وجودنا، وتمتد إلى ما بعد موتنا، فهي تصحبنا في الدنيا والآخرة ، بالرغم من أنها تُنسى وتُهمل في الواقع وإن نظرنا لها نراها فاترة.
يتعامل الجميع معها على أنها فُرِضت عليه ولم تكن اختياره ، ولو كان له أن يختار ما وجد لها بديلا، فهي في الحقيقه جنته وناره.
ونحن في ذلك على سواء، إلا من رحم ربي من الصالحين والأتقياء .
علاقة لا تولد صدفة، ولا تقوى لمصلحة، ولكنها تستمر وتبقى بالرغم مما تتعرض له من تهديدات ومنغصات، إلا أنها بالحقيقة بها تنمو وتقوى.
هي علاقة الأم بأبنائها، علاقة لم أجد لها تفسيرا،ولم يقنعني للتقصير بحقها أسباب مهما علت ومواقف مهما كثرت وتجاوزات مهما تكررت ، فهي على كثرتها وقوتها عجزت أن تكون مقنعة لنا ، وعجزنا أن نرضى بها تبريرا.
فكيف أصبحت كذلك؟
علاقة فريدة من نوعها، فإن ضعفت سيجرُّنا ضعفها للمهالك، وإن قويت وصلنا بقوتها لنجاحات تعجز عن رصدها المدارك، وهي في واقع الأمر انعكاس لقوتها ، ونتيجة لِبرّها ومكافأة على حسن التعامل معها، وهي مع ذلك تعتبر ثمنا قليلا لا يقارن بأجرها ولا يوزن بقدرها على حقيقتها.
فمتى يفهم الجميع ذلك ، وكيف سيكون ذلك ؟