16/5/2024
كنت أسمع منذ صغري عن شركة أرامكو، ليس باعتبارها مجرد شركة سعودية عملاقة تختص بإنتاج وتصدير النفط، ولكن بالتأثير الإيجابي الكبير الذي أحدثته في مجتمع المنطقة الشرقية خلال العقود الأولى لتأسيسها، سواءً من ناحية التعليم أو الانضباط واحترام الوقت، والالتزام بالنظام والإنتاجية وجودة الأداء والمعايير، وغير ذلك من قِيَم بنَّاءة انتشرت داخل وخارج أسوار الشركة.
الحديث عن الكيفية التي استطاعت بها أرامكو إحداث ذلك التغيير، يتضمن الكثير من التفاصيل التي تعتبر مثالاً يحتذى للثقافة المؤسسية الناجحة، والتطبيق الرائد لبرامج المسؤولية الاجتماعية.
ومن المؤكد أن أرامكو لم تحقق النتائج التي حققتها بين عشية وضحاها، ولكنها قامت منذ تأسيسها على مجموعة من قِيَم العمل، ووضعت نظاماً صارماً لتطبيقها داخل أسوار الشركة، ثم ما لبثت تلك القيم – أو بعض منها- أن تسربت شيئاً فشيئاً خارج الأسوار إلى المجتمع المحيط.
الفكرة تتلخص في قيام جامعاتنا الكبرى بتكوين وحدات داخلية، مهمّتها تحويل بيئة الجامعة الداخلية إلى نموذج تُطبَّق فيه تلك القيم بعد دراستها والتوعية بها، ثم تطبيقها بفاعلية وحزم على جميع الطلاب والعاملين والزوار داخل أسوار الجامعة.
تخيَّلوا مثلاً قيام الجامعة بوضع نظام مروري صارم داخل حرمها الجامعي، بالاستعانة بجهات متخصصة، وذلك بعد استكمال كل المتطلبات من تخطيط وإشارات ولوحات إرشادية وقانون مكتوب وبرامج توعية شاملة.
إن كل جامعة بها عشرات الآلاف من الطلاب والموظفين، وتعويدهم على سلوكيات القيادة السليمة داخل الجامعة لا بد أن يؤتي ثماره تدريجياً خارج الجامعة أيضاً.
الأمثلة الأخرى كثيرة جداً، ومنها وضع نظام صارم للانضباط والالتزام بالمواعيد، يبدأ بأعضاء هيئة التدريس والموظفين، ويُطبَّق على الطلاب بشكلٍ تُصاحبه توعية متواصلة تهدف لجعل الانضباط عادة مرغوبة ومحببة لدى الجميع.
مثال آخر، جعل جميع أرصفة الجامعة صديقة للمشاة وذوي الاحتياجات الخاصة، وأن تكون الجامعة نموذجاً في كل ما له علاقة بالحفاظ على البيئة وتوفير الموارد، واستخدام مياه الصرف المعالجة لري حدائقها.
باختصار، فإن جامعاتنا يمكن أن تصبح ليس فقط منابر للتعليم، ولكن أيضاً منابر ونماذج لترسيخ القيم الإيجابية، وهو ما سيتسرب تدريجياً إلى المجتمع خارج الأسوار. ومعظم هذه القيم موجودة أصلاً في الجامعات، وما تحتاج إليه فقط هو ترسيخها، والتحول إلى قدوة ونموذج ناجح في تطبيقها عملياً.
د. سعود كاتب
عضو جمعية إعلاميون
@skateb