1/1/2022
يقول أحدهم، كنت أحلم أن يكون لي بيت صغير يضمني وأسرتي نحفظ في طياته ضحكاتنا وذكرياتنا. بيت يلم شمل عائلتي كلما فرقتهم الحياة ويكون مرساة أمان لزوجتي وأولادي بعد رحيلي وها أنا قد بلغت من العمر عتيّا وتزوج أولادي ورأيت أحفادي ونحن لا نزال نسكن شقة صغيرة مستأجرة بعد التنقل من شقة لأخرى طوال حياتنا وبعد أن تبعثرت ذكرياتنا في شقق متنوعة ومباني متفرقة نبقى فيها عدة سنوات ثم نتركها بلا عودة تاركين وراءنا أماكن عاشت معنا لحظات أفراحنا وأحزاننا، جدران شهدت أول خطوات وكلمات أطفالنا وزاويا أطفأت معنا شموع أعياد ميلادنا.
انتظرنا طوال حياتنا أن تنقص أسعار الأراضي والعقار ليتحقق حلمنا باقتناء منزل صغير وكلما مرت سنه كنا نمني النفس أن ذلك بالتأكيد سيحدث في السنة القادمة فلابد للأسعار أن تنخفض خاصةً بعد أن وصلت لأرقام فلكية. كنا دائمًا ما نذكر أنفسنا بالمثل القائل “ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع” لكن لم تقع إلا أحلامنا. كنا دائمًا أيضًا ما نتذكر سوق الأسهم السعودية على سبيل المثال والتي ارتفعت لمستويات خيالية ثم انهارت سنة 2006 م في لحظة أخذت معها أحلام وأماني الكثيرين وتاركة من نجا من الجلطات والأمراض بسبب خسارته الكبيرة، للديون والحسرة، لكن لم تنهَر إلا أمانينا.
كنا نطير فرحًا كلما أُعلن عن قرار جديد لصالح المواطن لكن نعود لنسقط وتتكسر آمالنا من جديد على أرض الانتظار الطويل لتطبيق ذلك القرار. هذا ما حصل لنا مع قرار تطبيق الرسوم على الأراضي البيضاء والذي كان سيحل تلك الأزمة لو طبق وسيجبر هوامير العقار على بيع الأراضي التي احتكروها لسنين طويلة والتي لا هم بنوها وعمروها ولا باعوها بأسعار معقولة.
تراب الوطن غالٍ على قلوب أبنائه لكن هوامير العقار جعلوه غاليًا جدًا على جيوب أبناء الوطن ورواتبهم ومدخراتنا وقروضهم وكل من يحلم باقتناء منزل سيبقى يدفع ثمن ذلك الحلم لآخر يوم في حياته! وحتى من جمع مدخراته وأخذ القروض وعاش هو وأسرته ضيقًا من الحال في سبيل تحقيق ذلك الحلم الصعب وقع ضحية المطورين البدائيين وهوامير العقار واشترى منزلًا صغيرًا بجودة رديئة وسعر مرتفع.
وها نحن أنا وزوجتي بعد كل تلك السنين وبعد كل ذلك الانتظار وكل بوارق الأمل التي انطفأت وكل المجاديف التي تكسرت.. ها نحن نتخلى عن حلمنا البسيط باقتناء منزل صغير في هذا الوطن الكبير. ها نحن بعد أن أبيض الشعر وضعف البصر وانقضى العمر، ننتظر لقاء ربنا ولم يبقَ لنا إلا أن ندعو بدعاء السيدة آسيا امرأة فرعون ونقول: (رب ابنِ لي عندك بيتاً في الجنة) حيث لا يستطيع أحد التصرف في جنتك إلا بإذنك.