23/3/2023
شهر رمضان ، وما هو رمضان ؟؟؟
هو شهر كما عرفناه ، وثلاثون يوماً إن حسبناه ، ولكنه شهر مختلف عما أنهيناه ، وأيامه أجمل مما عشناه ، ولياليه بالأنس ربطناها كما ربطناه ، فنهاره بالصوم قضيناه ، وليله بالذكر أحييناه ، ونحن بالخير قرنّاه ، وبالطهر وصفناه ، وبالشوق انتظرناه ، وبالجود خَبِرنَاه ، وبالفرح استقبلناه ، وياللخسارة إن نحن أضعناه ، ولن نعوض مهما فعلنا خسارتنا إن خسرناه ، فنحن من عدة زوايا رأيناه ، وبعدة تجارب خضناه ، وبعدة اعتبارات اعتبرناه … .
فهو مسكن ومأمن لنا إن نظرنا له بمنظار الروح ، فبه نحتمي من همزات الشياطين ، وتهدأ النفس وتطمئن من النزاعات مع المحيطين ، وبه يرتاح المرء من ثقل السيئات التي تعمي بصيرة المذنبين ، فبه يعود الجميع إلى الله ، وتنار البصائر ، وتحيا الضمائر ، وتزول الضغائن ، وتصفو السرائر ، فقد صُفِّدت الشياطين ، وأُغلِقت النار للوافدين ، ومُحِيت السيئات عن المذنبين ، فقد اختلفت الموازين ، وتضاعفت الحسنات للباذلين ، وفتحت الجنة أبوابها للراغبين .. .
ونراه باعتبار آخر مدرسة ، إن نظرنا له بمنظار العقل ، فبه نتعلم الصفح والعفو عن الغير ، ونعتاد القدرة على التحمل والصبر ، ونتدرب على النظام والتزام الوقت بلا ضير ، ونحترم المواعيد ونلتزم بها السير ، ونوازن بين العقل القلب ، والروح والجسد توازنا نتقي منه الأذى ، ونضمن لأنفسنا كل خير ، وبه يحلو العطاء بلا استثناء ، للإنس والبهائم وحتى الطير ..
وقد يبدو لنا كمشفى ، إن نظرنا له بمنظار الجسد ، إذ به يرتاح البدن من ثقل الطعام ، وقلة النظام ، وتعدد الوجبات ، وبه تستعيد الأعضاء نشاطها ويظهر توازنها، وتستجمع قواها ، وتعالج ضعفها ، وتجدد نظامها ، وتجدول مهامها ، بعيدا عن عشوائية النفس وهواها ، وكثرة متطلباتها ومناها ، فقد تم منحها راحة إجبارية مما أرهقها ، وهاهي تتمتع بإجازة من مهمتها ، فقد امتنعت عن الطعام والشراب وقد تأكد أن هذا الامتناع في مصلحتها ، وإن كان ظاهره ضعفها وإرهاقها ، إلا أنه بالحقيقة مصدر قوتها ، ومنبع نشاطها ، فالدم بالعروق يتجدد ، والأوعية من ضيقها تتمدد ، والخلايا تنمو وتتعدد ، والأعضاء تهدأ ولا تعد تتهدد ، والأجهزة تنتظم بعملها فلم تعد تتمرد ، والطاقة تختزن ولا تتبدد ، والجسم بما فيه يهنأ براحة كان يحتاجها ، والكل لها يؤيد ، فنظامه وجدوله أصبح على الجميع مقرر ومحدد ، فهو ثابت وموزون بمقياس للأنام مُشَيَّد … .
وهو باعتبار آخر جنة يترقب الجميع دخولها بدخوله ، و تتوثب الأنفس حلولها بحلوله ، ويقصدها المسلمون ليجنوا ثمارها من زرعه ، ويهنؤوا بظلالها من فيئه ، وينعموا براحتها من طهره ، ويمرحوا برياضها من فضله ..
فها نحن ننتظره بلهفة ، ونستقبله بفرحة ، ونبدأه برحمه ، ونتوسطه بمغفرة ، وننهيه بعتق من النار وتوبة ، ونودعه بحنين لعودة ، ونغادره بعيدٍ يكأفؤنا به المولى ، ونقتسم الغنائم لمن غنم ، ولا نجد من منها حُرم ، فالجميع به رُحِم ، ومولانا السميع بنا عَلِم ، وبعفوه وبفضله هنأ الجميع فقد شُمِل ، وعلى أجنحة الرحمة نطير ، وبها نحلق ، وكل مؤمن بالجناح الذي يليق بعمله قد حُمِل ، وإلى حيث قادته فعاله قد وصل ، فالسابقون السابقون ، والغانمون الغانمون ، والرابحون الرابحون ، أولئك المقربون ، وبرضى الله كل ساعٍ يطلب ، وبقربه يرجو ويرغب ، وبفضله وبجوده نطمع وله نُحِب ….
فيا رمضان أهلا ، ويا رمضان مهلا ، وبين ربوعنا مهدا وسهلا ، فلا نملك فيك جهلا ، وإليك نَشُّد رحلا ، قصدناك طفلا وكهلا ، لنزداد منك نهلا ، ونرتاد الروض شهرا ، وبالعيد نعود جهرا ، فقد فاض الخير من جنبيك نهرا ، وأسأل الله أن نكون لخيرك أهلا.. .
إيمان حماد الحماد
عضو جمعية إعلاميون
@bentalnoor2005