5/10/2024
مررت مؤخرا على قراءات مختلفة حول تجارب واستراتيجيات الدبلوماسية الرياضية لبعض الدول، ومنها الولايات المتحدة والصين وأستراليا، وهي جميعها تجارب شيقة يمكن الاستفادة كثيرا من تنوعها وأساليبها وأهدافها. والحقيقة أن تجربة أخرى هي التي لفتت نظري أكثر، وقررت مشاركة جزء منها في مقالي هذا بقدر المساحة المتاحة للمقال، وهي تجربة مشروع الاتحاد الأوروبي المسمى “نحو دبلوماسية رياضية أوروبية” واختصارا (TES-D). وتطرقت وثيقة المشروع بشكل مباشر وغير مباشر، للعديد من التحديات التي واجهته، وهي كما يلي:
1- قياس النتائج: أحد التحديات التي واجهت مشروع TES-D هو صعوبة قياس النتائج طويلة المدى لمبادرات وأنشطة الدبلوماسية الرياضية. بالإضافة إلى أن النتائج الملموسة لبعض تلك المبادرات والأنشطة يمكن أن تستغرق سنوات لكي تتحقق.
2- التمويل والاستدامة: من المهم ضمان ليس فقط التمويل الأولي لمبادرات ومشاريع الدبلوماسية الرياضية، ولكن أيضا ضمان استدامة ذلك التمويل، حتى لا تبدأ تلك المشاريع في التآكل والتفكك التدريجي.
3- التنسيق والتكامل: الأطراف ذات العلاقة بالدبلوماسية الرياضية متعددة ومتباينة، وبالتالي فإن عملية إدارة التنسيق والتكامل فيما بينها تتسم بالصعوبة والتعقيد.
4- الرياضة والدبلوماسية مخلوقان مختلفان: هناك دون شك اختلاف بين طبيعة الرياضة وطبيعة الدبلوماسية، وهو أمر يمكن أن ينتج عنه بعض التنافر وعدم الفهم. فعلى سبيل المثال، ليس كل دبلوماسي يفهم في الشأن الرياضي، مثلما أنه ليس كل رياضي يفهم في الشأن الدبلوماسي. وهذا الأمر يتطلب قدرا كبيرا من التدريب والتوجيه، بالإضافة إلى التحديد الدقيق للمواضع التي يمكن للرياضة إحداث تأثير فيها داخل عالم السياسة الخارجية.
5- تجنب الفوقية: أحد الصعوبات التي واجهت الاتحاد الأوروبي تمثلت في نظرة البعض إلى نموذج الدبلوماسية الرياضية الأوروبي؛ بأنه محاولة من الاتحاد الأوروبي لتصدير نموذجه “الفوقي”. وأُثيرت هذه المشكلة عندما وصفت المبعوثة العليا Mogherini بشكل غير مناسب الاتحاد الأوروبي بأنه قوة ثقافية عظمى “cultural superpower”. إن من المهم إدراك أن الدبلوماسية الرياضية لا تتمحور حول القدرة على إقناع الأخرين، ولكن أيضا القدرة على تطوير حوار مشترك متبادل معهم.
6- تجنب النظرة النخبوية: أحد أهم التحذيرات التي أوردتها مجموعة خبراء المشروع، هي أهمية ألا تتحول الدبلوماسية الرياضية إلى مجال نخبوي، بل على العكس تماما من ذلك، حيث أن من المهم أن تكون الطبقة الشعبية grassroots (التي تقوم عليها الرياضة) ممثلة ومسموعة على كافة المستويات.
7- فصل أو عدم فصل الرياضة عن السياسة: أشار المشروع إلى أن التطورات الجيوبوليتيكية يمكن أن تمثل تحدياً أمام الدبلوماسية الرياضية الأوروبية، مستشهدا في ذلك بالغزو الروسي لأوكرانيا، وكيف أن ذلك الحدث استدعى تحركا سريعا من قبل الشركاء الأوروبيين على الصعيد الدبلوماسي والاقتصادي، والرياضي أيضا. وخلال كأس العالم 2022 في قطر قام وزراء الرياضة الأوروبيون بتوجيه رسالة مشتركة إلى المفوضية الأوروبية، يطالبون فيها بإيلاء اهتمام أكبر لقضايا حقوق الإنسان خلال الفعاليات الرياضية الكبرى، داخل وخارج الاتحاد الأوروبي.
وفي رأيي، فإن كل ذلك يندرج ضمن موضوع “ازدواجية المعايير” الغربية في التعامل مع القضايا، والكيل فيها بمكيالين مختلفين. ويدخل ضمن ذلك بالتأكيد، موضوع “ضرورة فصل الرياضة عن السياسة”، والذي يتم تطبيقه والمناداة به بحزم، ثم إغفاله كليا عندما يتعلق الأمر برغبات ومصالح غربية.
ختاما، من المهم جدا النظر إلى جميع هذه التحديات، ليس باعتبارها حكرا على تجربة الدبلوماسية الرياضية الخاصة بالاتحاد الأوروبي، ولكنها تحديات يمكن حدوثها بصور مختلفة في أي استراتيجية دبلوماسية رياضية أخرى، وهو ما يستدعي أخذها في الاعتبار، ووضع التصورات اللازمة للتعامل معها وتلافي أخطائها.
د. سعود كاتب
عضو جمعية إعلاميون
@skateb