18/3/2022
يرتبط تطور نموذج (الجمال المثالي) أو (أسطورة الجمال) أو (تسليع الجسد) بفعل تحرّر المرأة في المجتمعات الغربية الرأسمالية الصناعية من القيود المادية التي كانت تحد من استقلالها، ففكرت في نوع جديد من التحكم الاجتماعي أطلق عليه (أسطورة الجمال) أو (صناعة الجمال).
شيئاً فشيئاً غدت هذه الأسطورة هاجسًا يقضُّ مضاجع النساء والرجال على حدٍ سواء وإن كان وقعُها على الأنثى أشدّ وأعمق، لتتحول إلى قواعد ومبادئ ومعايير يُقاسُ بها جمال المرأة، فأصبح تسليع الجسد الأنثوي هو المسؤول الأول عن معظم الأمراض الاجتماعية في الغرب كالمواد الإباحية، والاغتصاب ، والتحيز ضد المرأة ، وجراحات التجميل التحويلي، ومعايير الإعلانات والأزياء .
ومن الطبيعي عندما يتحول الجسم إلى سلعة استعراضية، سنبدأ برؤية أجسامنا كسلع لا تربطنا بها أي علاقة حب، وسنراها كأدوات لا بد لها من القيام بوظيفتها، وأن تكون مفاتننا دائمًا الأفضل والأكثر تميزًا وتلقى (إعجاب) و (تعلّق) الناظرين إليها، عند ذلك نكون قد فصلنا أنفسنا عن مشاعرنا الحقيقية، وتُعلق الطبيبة النفسية فرانا على تحولات الجسد قائلةً: أصبح الجسد مجرد أداة نتوسّل بها ونتقرب إلى محبة الناس ونيل إعجابهم ، وتمركزنا حوله والاهتمام به حد الإفراط وإهمال عمقنا الروحي وذواتنا الشخصية وهذا ما يعكس حقيقة ما نشاهده اليوم .
إنّ أسطورة الجمال أو تسليع الجسد اليوم تُصيب الفرد المُعاصر بالهشاشة والخور، ليتقوقع على نفسه (المُنفصِمة) التي يُحاول التستر على خوائها الداخلي، بدلًا من التصدي للعلة الرئيسية المتمثّلة في مشاعر النقص والنزعة الشهوانية والغرق في مجتمع الصورة، ولم يع بأن الجمال الفِطري والحُسن الطبيعي هما الحقيقة الثابتة والتأكيد الأول والأخير على جمال الإنسان الذي لا يُجتلب ولا يُصنّع، جمالٌ يبقى به الإنسان إنسانًا حقيقيًا، لا يكتسبه بالعمليات ولا التعديلات، بل هو جمالٌ يبدأُ من الداخل وينعكس على الخارج، كما أنه لا ينُافي الاعتناء والاهتمام المعتدل بالمظهر الخارجي، فالله جميل يحب الجمال .
بهذا الشكل توظف (صورة الجسد) كما يُشير إليها مصطفى حجازي عالم النفس اللبناني، لتمرّر رسالتها فتنتهك بذلك حياة الإنسان عامها وخاصها، فنجد أن مجتمع الصورة العالمي اليوم يُهيل علينا الصور كوابل من النار، إذ نتعرضُ للمئات منها يوميًا، في البيت والشارع وفي وسائل التواصل والساحات العامة وفي كل مكان، فتُعيد لنا الثقافة الجماهيرية اليوم تعريف (الجسد الأنثوي) وفقاً لصفات مُحددة وقوالب جاهزة متمثلة بقوام ممشوق وقَدٍّ نحيف بشكل مُفرِط ، وشفاه ممتلئة وأسنان لؤلؤية وأنف صغير مدبب وعيون كبيرة، أي أنهم نسخ متشابهة تماماً وقد لا تفرق بينهم، ويُروج لهذا الشكل الخيالي باستخدام الدعاية والإعلان من خلال وسائل التواصل الاجتماعي (واستعراض الأجساد) فتغزو صوره المجتمع بأكمله، فلا تكاد تفتح صفحة على الويب أو تطبيق تواصل حتى يبرز لك ذلك الوجه الفاتن والقوام الساحر، ومن ثُمَّ يُعاد المشهد مرارًا وتكرارًا؛ ليرسخ باللاوعي الفردي والمجتمعي ليغدو أكبر أحلام الذكر والأنثى على حدٍ سواء، وهُنا تتحرك الرغبة التافهة والأحلام (الاستعراضية).
وفي ذات السياق يكتب الدكتور مصطفى المُرابط عن استلاب إنسانية المرأة وتنميطها في قوالب وأشكال صناعية، تُخلُقّها يد الرسامين وأدوات التقنيين فيما يُعرف بـصناعة الأنوثة التي يعتقد بأنها تُروج لجسد متخيّل لا صلة له بالواقع، ويرى بأنه شكل من أشكال الاستبداد، والذي سماه بالاستبداد الناعم، وأنها مهما سعت في اكتساب هذه الأشكال فإن مقارنة النفس مع المعايير المحدّدة بقوام عارضة الأزياء الجميلة أو مظهر الممثل الفاتن يأتي نتيجة الفشل والإخفاق في تقدير الذات الداخلي لدى الأشخاص، وينزعون إلى الاهتمام بأجسادهم لتغطية النقص في شخصياتهم على الأرجح.
عُبور :
يقول لي أحد الأصدقاء بأنه قرأ عبارة ذات مرة على أحد الجدران عندما كان مبتعثًا مفادها : أن الرجال لا يكذبون والنساء لا تتعرى .
الناشر: صحيفة الحدث