7/6/2022
ننشغل بصراعنا اليومي في مكابدة الحياة، وقد تغيب عنا في خضم ذلك مفاهيم كثيرة، لعل من أهمها “الشعور بالمسؤولية”، أي استشعار عظم الهم الملقى على كاهل الشخص المسؤول، والأثر الكبير لقراراته على مستقبل الناس وحياتهم، وهي سنة الحياة التي تقتضي تدرجًا في المسؤولية، مسؤول بمهام كبيرة، فأقل حتى نصل إلى أدنى مرتبة، لذلك أخاطبك أيها المسؤول، في أي موقع كنت.
لقد وضعت في مكان المسؤولية بناءً على ترشيح ورؤية ومعطيات لدى من رشحك لهذا المكان، ولأجل ذلك يجب أن تكون على قدر هذه الثقة، وأن تقوم بالعمل إرضاءً لربك أولًا، ولمن وضعك في هذا المكان ورشحك له ثانيًا .
يجب على المسؤول أيًا كان مكانه، أن يتحلى بالعدل في قراراته، منصفًا في اختياراته وأن يعطي كل ذي حق حقه بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى، سواءً كانت رغباته الشخصية أو محبة في بعض الناس، أو في مجال عمله، كأن يقدم أحدًا على أحد؛ لأنه يروقه أما ذاك فلا، امتثالًا لميله وهواه الشخصي، وليس لمصلحة ومقتضيات الواجب.
العدل والإنصاف وإعطاء كل ذي حق حقه واجب، ومكافأة المجتهد واجب، حتى وإن لم يكن من المقربين، وكذلك محاسبة المقصر ولو كان من الأحبة والأقارب.
إن دوام حال الإنسان محال، وقديمًا قيل “لو دامت لغيرك ما وصلت إليك”، إنما هي فترة من الزمن تقدم فيها ما تقدم ثم تغادر فلا يبقى منك إلا الذكر، فإن كان خيرًا فخير وإن كان شرًا فشر.
لذلك فإن من اكتمل عقله وزادت رصانته وبلغ من الفهم والإدراك درجات علا، يقدم لهذا اليوم وينتظر في كل دقيقة اللحظة التي سيترك فيها مكانه لغيره، وعندها فقط تستبين حاله، فإن أحسن سيحزن مرؤوسوه لوداعه، ويتبعونه بالدعوات أن يوفقه الله حيثما كان، وأن يزيده من فضله ويديم عليه الصحة والعافية، وإن كان غير ذلك، فسيجد من الدعوات ما يستحق.
أيها المسؤول لن تنتهي فترتك بانقضاء عملك، فقد بقي سؤال الله عز وجل بانتظارك عن ما قدمت من أعمال، أظلمت؟ أو حرمت أحدًا من حقوقه المستحقة؟ استعد إذن لمخاصمتهم يوم القيامة أمام الله عز وجل، ولا تنفع ساعة الندم في ذلك اليوم، لن تستطيع وقتها أن تدافع عن نفسك، ولا مجال للتراجع، فاستعد من الآن لذلك اليوم، وكن مسؤولًا حريصًا على إرضاء الله عز وجل، واجتهد في ذلك، فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسك ومن الشيطان ولن تلام على اجتهادك، فالله يعلم ما في صدرك، ويطلع على نواياك، ويعرف إن فعلت ما بوسعك لأجل أن تكون منصفًا ومجتهدًا.
أيها المسؤول لا يغرنك موقع المسؤولية ومكانة المنصب فإنه تكليف ستسأل عنه، في الدنيا أولًا على يد من حملك المسؤولية، وفي الآخرة ثانيًا حين لا تخفى خافية، ولا يغيب عن الصحائف صغير ولا كبير.