15/3/2022
شتان بين جنون القلب ورجاحة العقل، واختلاف كبير بين ما نعقله وما نفعله، وكثيرا ما نصبح فرائساً للتأثير ، أو مدارساً في التفكير.
نتعاطف فننجذب بكل ضعف لأحاديث القلوب، وتجعلنا نرى الأمور بالمقلوب،ثم ما نلبث أن ننسحب ونعود لمحاذير العقول، لندرك حقيقة الأمور.
نتعاطف لأننا بشر ولضعفنا ننسى الخطر.
وكلنا كذلك، تنسينا قلوبنا أن نصغي لعقولنا، فنخضع لأفكار تحتاج إلى عقل يحررها فتزول، أكثر من حاجتها إلى قلب يخدّرُها فتصول بنا وتجول.
وهذا ما كان منا في تفاعلنا مع قضيةالطفل ( ريان ) ذاك الطفل الذي ضجّ العالم لأجله، ولن ينفعه ضجيجه فقد حان أجله.
وحتى ننصره بعد موته أو بمعنى أصح ( قتله) علينا أن نتعمق في تفاصيل قصته، ونبحث في أسباب نهايته، فأفضل ما نقدمه له أن نستغلّ حادثته في إنقاذ إخوته، ونحمي أبناء جلدته، فلا يكون مصيرهم كمصيره، فهي أمور للبحث بها جديرة، لأنها قضايا إن تأجلت أو أُهملت لتطورت وأصبحت ظاهرة خطيرة.
فمن ذا الذي حرم ريّان من طفولته، فكان الطفل ضحية لإهماله ورعونته، حتى إن كان والده، فليس لهذا علاقة بما كان، سواءً هو أو غيره فالأمر في نظر الإهمال سيّان.
تُحفر الآبار وتُهمل، وتصبح وكأنها مقابر في الطرقات تُنشر، وتترك حتى دون لوحات منها تُحذِّر على أقل تقدير، فأصبحت كالقليب بلا رقيب ولا حسيب.
فمن المسؤول عن تلك الأرواح التي تُهدر بسببهم، وما كان سيضيرهم لو أنها تُطمر، أو على الأقل تُسَوَّر.
أبناؤنا وأبناؤهم أمانه في أعناقهم وعن كل من سيتضرر منها سيُسألون.
فهذا والد ريان يحفر بئراً ويتركها بلا رقابة،فلاهي بالماء أمدّته، ولا بحفرها نفعته، بل إنها من إبنه حرمته، وبموقف لا يُحسد عليه وضعته.
وأنا عندما تجاوزت الموقف الذي آلمني، وأعدت المشهد الذي أبكاني، مسحت عدستي التي كنت أرى بها الصورة، حيث كانت رؤيتي بها على المشاعر مقصورة، اتضحت الرؤية الآن وأدركت أنه لا بد أن نتعامل مع الموقف بقرارات جسورة، فيعاقب كل من يتسبب في إرهاق روح، أو فتح جروح بأمر ما كان يضره لو تعامل معه بشيء من المسؤولية، فيراعي الله فيما يفعل، ويثق بأنه عن كل ضرر سيلحقه بالعابرين سيُسأل.
وبقدر النتائج تكون العقوبات، لعلّ هذه الظاهرة تندثر، وروح ريان وأمثاله تنتصر، وعدد الآبار ينحصر، وفي وسائل السلامة تُحاط، والمسؤولية على من يُهمل أو يتهاون تُناط، فمن قتل نفساً فكأنما قتل الناس جميعا، فليكن درساً منه نتعظ، وإن كان قاسياً لعلنا نعتبر، ولن ننساه سريعاً لأن الجروح التي نفتحها بأيدينا ليس بالسهولة أن تبرأ، وليست بإبرة الجراح تشفى وتخاط، ولكنها تبقى لتذكرنا إن نسينا ولن ننسى، فالحياة قاسية ونحن أصبحنا مثلها بل أقسى .