18/12/2021
تعبنا من التقليد. وسئمنا من التجديد في أمورٍ لا يصح لها الجديد. فإن حصل فهو يقتلها، وعن هويتها تحيد.
فالتجديد الذي يمتد لأصولنا، لا نريده، والتطوير الذي لا يحافظ على جذورنا، لن نجيده، والحضارة إن لم يكن فيها أصالة، لن ينتفع بها صاحبها ولن تزيده.
فمن يتخلى عن أصله، وينفصل عن فرعه، سيجف حتماً عوده، وإلى الهلاك طريقه سيقوده، وهذا ما حصل، عندما دفَعَنا التقليد إلى هجر لغتنا العربية، وفضّلنا عليها اللغات الأعجمية، وظننا أننا بها نواكب الحضارة، ونلحق بركب الأغلبية. فابتعدنا، وفقدنا دليلنا، حتى أضعنا دربنا، ولم نهتدي لسبيلنا.
عندما سمحنا لألسننا بالاعوجاج في حديثها، وأجبرنا ألفاظنا على الاندماج بالدخيل عليها، توغلنا بالتغيير حتى وصلنا لأصولنا في بحثنا عن القوة، فجعلنا الأساس ضعيف، وهدمنا بالحفر القواعد التي تحملنا، فتداعينا، وتملكنا إحساس مخيف.
ما أقسانا على لغتنا العربية، حيث كانت انطلاقتنا منها واعتمادنا عليها، حتى وصلنا إلى القمم، وانبهرت بقوتنا، وقوتها، وقدرتنا وقدرتها كل الأمم. فكنا نحن قاتليها، ولم نكن من ناقليها، فماتت على أيدينا، وما زالت من الأعماق تنادينا، لعلها تجد من يبعثها من مرقدها فيحييها ويحيينا.
فبدلاً من أن نفتخر بتراثنا، ونثبت جذورنا، أرانا نحتقر ميراثنا، ونحفر بأيدينا قبورنا، ندفن ماضينا بأنفسنا، ونخسر حاضرنا، ونبخس قيمتنا، وبالتأكيد دنيانا ستنسانا وتبخسنا.
كم أصبح حالنا مؤسفاً، وكأننا لا نفقه من الكلام شيئاً، وأرى مآلنا موجعاً، ونحن نهجر لغتنا شيئاً فشيئاً. كلمات ننطقها ولا نعرف معانيها، فنغيّر حروفها ونخلط مراميها، ونعكس استخدامها، وبالعشواء نرميها.
أصبحنا ننطق الكلمات لحنًا، ليس موسيقي مرادي، لكنه اللحن الذي يفقد الألفاظ هويتها، ويسلبها فصاحتها، وكأننا لأنفسنا نعادي.
نستلّها من الجذور التي لها تنتمي، ونضعفها، ولا تجد كتابًا يحتويها وبه تحتمي، ولا مقالًا يناديها وبين سطوره ترتمي، ولا رواية تستخدمها، وبصحتها، وسلامة تراكيبها تعتني.
قتلناها بهجرها، وساهمنا بضعفها، فتداعت، استبدلناها بغيرها، وحرَّفنا حرفها، فخارت. خلطنا قويها بالضعيف بغيرها، فانهارت، وقصَّرنا بحقها في التأليف، فضاعت، وأهملناها مع أبناءنا فلم نجزل بها التعريف، حتى احتاروا بها، وهي عن إرضاءهم عجزت وبمطالبهم احتارت، فصارت عنهم غريبة، وبأعينهم عجيبة، وبلسانهم إن حاولوا النطق بها تخرج معيبة، حتى غدت في وصفهم لغة كئيبة.
إن ظل من يحرص عليها، وكأنه فعل المصيبة، فحالنا يرثى له، ونبكي عليه، ونحن من أحدثه. قرآننا ينطق بها، ونحن لها تاركون، وإسلامنا يدعو بها، ونحن لهجرها سائرون، وأسلافنا افتخروا بها، ونحن بغيرها غارقون.
تراثنا يزخر بها، ونحن عنها غافلون، فكيف نشعل نارها، لنرجع لها راغبون، وكيف نُطِل عمرها، لنبقى بها عالمون؟!