8/6/2024
هل الصحافة علم أم فن؟ هل يمكن لكليات الإعلام أن تصنع صحفياً موهوباً؟ كيف تفسر حقيقة أن العديد من الإعلاميين الناجحين لم يدرسوا الإعلام؛ ولكنهم اكتسبوا مهارات العمل الصحفي بالممارسة فقط؟.
هذه الأسئلة كثيراً ما تتردد من قبل البعض، ومنهم طلاب إعلام وصحفيون، وغيرهم على شبكات التواصل الاجتماعي. والحقيقة أن ما أسمعه حول هذا الموضوع يتعدَّى ذلك، حيث قال أحدهم بأن كليات الصحافة والإعلام مضيعة للوقت، وأن مهارات الإعلام لا تُدرَّس في قاعات الجامعات، بل تُكتسب في غرف التحرير والميدان.
النقاش عموماً حول كون الصحافة علمًا أم فنًا، وهل مهارات الصحفي الجيد تُولد مع الشخص أم أنها تُصنع، هو نقاش ليس بالجديد، وكثيراً ما يتردد في الغرب أيضاً. الفرق أنه يتردد هناك لسببٍ مختلف تماماً، وهو السعي للوصول إلى أفضل مزيج يلزم التركيز عليه للحصول على صحفي جيد، في حين أن نقاشه لدينا يهدف كما يبدو إلى شرعنة وتطبيع توظيف غير المتخصصين في الإعلام – ومنهم مشهورات ومشاهير شبكات التواصل- والرغبة لأسباب مختلفة في ترسيخ ترميز الجيل القديم وتفوقه؛ وعدم الحاجة لتخصص الإعلام.
صحيح أن هناك إعلاميين قدامى بارزين لم يلتحقوا يوماً بكليات الإعلام، لكن الحقيقة التي ينبغي ذكرها أيضاً هي أنه عند بدايات ظهورهم لم تكن في المملكة أي كليات إعلام، وبالتالي لم يكن هناك بديل آخر. هذا الأمر اختلف تماماً اليوم نتيجة لوجود العديد من كليات الإعلام في جامعاتنا، وعودة كثير من المبتعثين والمبتعثات الذين درسوا الإعلام في أفضل جامعات العالم. وفي اعتقادي أيضاً بهذا الصدد أنه وبالرغم من الدور الكبير الذي ساهمت به التكنولوجيا الجديدة في خدمة الإعلام، إلا أن ممارسة الإعلام سابقاً تظل أسهل وأقل تعقيداً بكثير عنها اليوم.
وبخصوص القول بأن مهارات الإعلام لا تُدرَّس في الجامعات بل تُكتسب في غرف التحرير والميدان، فهل يمكننا مثلاً -قياساً على ذلك- القول بأن مهارة الطب أيضاً لا تُدرَّس في الجامعة بل تُكتسب في غرف العمليات، وأن مهارة القانون والمحاماة يمكن نيلها من قاعات المحاكم دون حاجة لكليات القانون، ومهارة التدريس يمكن الاكتفاء باكتسابها بالممارسة في الفصول وقاعات المحاضرات؟.
وعودة إلى سؤال: هل المهارات الصحفية موهبة تُولد مع الإنسان، أم أنها شيء مكتسب بالتدريب والتعليم، فإني أرى أنها كأي مهنة أخرى هي مزيج من هذا وذاك، فالطالب الذي يلتحق بكلية الإعلام دون أن يكون لديه عشق للصحافة؛ ودون أن يمتلك الصفات الشخصية التي تحتاجها المهنة، مثل الإصرار والفضول، والانضباط وقوة الشخصية، فالأغلب أنه لن يكتب له أن يكون صحفياً جيداً.
جميع هذه الصفات من ناحية أخرى لن تكون كافية لتأهيل ذلك الشخص ليكون صحفياً اليوم، خاصة بعد التغييرات الكبيرة التي أحدثتها تكنولوجيا الإعلام الجديد، وأصبح معها لزاماً على الصحفي أن يكون ملماً – إضافةً لمهارات المهنة الأساسية- بكثيرٍ من المهارات الفنية الجديدة، كمعالجة الصور والفيديو والبحث عن المعلومة وإخبارها بدقة، وفي الوقت المحدد على منصات مختلفة وبمهارات تحرير وتقديم متنوعة.
د.سعود كاتب
عضو جمعية إعلاميون
@skateb