9/11/2023
نشر موقع CNN تقريراً عن كاميرات الفيديو التي كان يرتديها مجموعة من مقاتلي حماس أثناء هجومهم يوم 7 أكتوبر، مبررا ذلك بأنه محاولة من المهاجمين لجمع مواد إعلامية لاستخدامها لأغراض دعائية، كتلك التي تم بثها لاحقا على شبكات التواصل الاجتماعي، ووصفها التقرير بأنها تتضمن لقطات مرعبة لعملية التوغل الجريئة غير المسبوقة.
وأيا كانت الأسباب، فإن تلك اللقطات التي يمكن لكل طرف قراءتها بشكل مختلف، هي جزء لا يتجزأ من الحرب الإعلامية الشرسة الدائرة بين الطرفين لأكثر من 56 عاما، والتي كانت الكفة فيها تميل دوماً – لأسبابٍ عديدة- لصالح الجانب الإسرائيلي. ولكن كثيراً من الدلائل أصبحت اليوم تشير إلى أن ميزان القوة الإعلامي بدأ في الميل – وبشكل غير مسبوق أيضا- لصالح القضية الفلسطينية، فكيف ومتى ولماذا حدث ذلك، وهل هو مجرد انتصار ظرفي ووقتي، أم أنه بداية لتفوق حقيقي طويل المدى، قادر على أن يُغير كثيراً من موازين الصراع؟.
إن الفزع الحقيقي الذي أصاب إسرائيل في 7 أكتوبر لم يكن فقط نتيجة للاختراق العسكري المهين الذي تعرضت له، ولكنه كان أيضا نتيجة ملاحظتها لجبهتها الإعلامية الدولية وهي تتداعى، بشكل لم تعهده من قبل في تاريخها. هذا التداعي لم يبدأ في الواقع مع الأحداث الأخيرة، ولكنه بدأ منذ منتصف التسعينيات عندما منحت التطورات التكنولوجية الرقمية للأطراف «الأقل حظا»؛ قدرةً مماثلة لإيصال صوتها للرأي العام العالمي بيسر وسهولة، وبشكل يقلل من تأثيرات الانحياز والإقصاء المعهودة على وسائل الإعلام التقليدي.
لقد شاهدنا مؤخراً على شبكات التواصل تأييداً لقضية فلسطين لم يسبق أن شاهدناه، امتدت تأثيراته لبرامج تلفزيونية شهيرة، منها على سبيل المثال برنامج Uncensored الذي يقدمه الصحفي المعروف «بييرس مورغان»، والذي أجرى لقاءات عديدة مع شخصيات مؤيدة للقضية الفلسطينية، حظيت بتأييد واسع وبأرقام مشاهدات ضخمة، مثل لقاء «باسم يوسف» الذي قارب على 20 مليون مشاهدة. كما شاهدنا استيقاظا لأنشطة الدعم الإعلامي (advocacy activities) للدبلوماسيين الفلسطينيين، ومنهم السفير حسام زملط، وهذه الأنشطة ضرورية لاكتمال الرسالة الإعلامية ووصولها وتأثيرها.
ولكن، لماذا تمثل الجبهة الإعلامية أهمية كبيرة جداً لإسرائيل؟ والإجابة هي لأن إسرائيل دولة احتلال، تعتمد في بقائها وتمددها على القيام بممارسات تتنافى مع القانون الدولي، ومبادئ حقوق الإنسان، مثل الفصل العنصري، والتطهير العرقي، والعقاب الجماعي، ومصادرة الأراضي، وقصف المدارس والمستشفيات ودور العبادة.. وهي تحتاج للقيام بذلك؛ إلى غطاء إعلامي (وغير إعلامي) بالغ القوة، توفره لها الولايات المتحدة والدول الغربية الخاضعة لها. وقد تمكنت إسرائيل شيئاً فشيئاً من إحكام حلقة الابتزاز حول تلك الدول.
إن الفرصة مواتية كما لم تكن من قبل لتعرية إسرائيل إعلاميا، وهي مسألة لم تعد صعبة في ظل مزايا الإعلام الجديد وخصائصه، وعدالة القضية الفلسطينية، وإدمان إسرائيل على ارتكاب المجازر والجرائم المتتالية التي أحرجت أقرب مناصريها، والذين يعانون أنفسهم من الضعف والانقسام.
للحديث بقية..
د. سعود كاتب
@skateb
عضو جمعية إعلاميون