مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

يالها من همّة.. من القاع إلى القمة

8/2/2022

بالرغم من أن البئر مكان للارتواء، إلا أن بئرنا هذا لا حياة فيه ولا ماء.

وكأن هذا الوضع أشعره بالاستياء، فبدأ يبحث عمّن يبعث به الحياة وينهي هذا العناء.
فوقع اختياره على ريان ليرويه، فبدأ يستدعيه، فاجتذبه إليه حتى سقط فيه. فكان سقوطه إحياءً لتلك الأرض بعد موتها، وإعمارًا لتلك البئر بعد هجرها. وتنببه لوجودها بعد حفرها وتركها.
أثار العالم بسقوطه، وعرف الكل بوجوده، دعاه البئر فلبّى. وناداه فهوى، فأحبّ البئر الظمآن رياناً ولم يرغب بفراقه، واحتصنه وكان يرفض إخراجه، أعيا من حوله في محاولة تخليصه، فأخفاه عنهم حتى لم يروا إلا رأسه وبعضًا من قميصه، إذ لا يصله من النور إلا بصيصه.
ولكنه استطاع وهو قابع هناك، ما يعجز عن تصديقه الإدراك، فهاهي الأرض بالأنام تعّج، وألسنتهم بالدعاء له تلّج، والسماء بأصواتهم تضّج، والأرجاء من وقعهم ترتجّ، جمع العالم حوله، ولفت الأنظار إليه، وتعرّف الجميع عليه، فملأ ذكره الأخبار، وصار خبره شاغلاً للناس في جميع الأقطار، فانشغلت به وتابعته وسائل الإعلام، وجادت في وصف حاله الأقلام، واتحدت في التعاطف معه الأجناس والأديان، وعجزت عن تخليصه العقول والأفهام، وما زالت تحاول على مدار الساعة لعدة أيام، فكانت قصته تحبس الأنفاس، وحكايته حديث الجلاّس، ولم تعد الدقائق تصاحب الأمتار عند القياس، وأضحت المسافات بعيدة رغم قربها ولم يعد ذلك هو المقياس.
فصارالحذر سيد الموقف، وكان الخطر محتّمًا وبات الكل يعرف، بأن إنقاذه إن حصل فهو معجزة إلهية، ولن يتحقق إلا بقدرة ومشيئة ربانية، فاجتماع الناس لن يغني، وكثرة الآلات لن يُجدي، فالله وحده هو المنجي.
فظل الجميع متعلقًا بحبال الأمل، ولم يتوقفوا عن العمل، ولم يعتريهم يأس ولم يقعدهم كسل، ولكن قدّر الله وما شاء فعل.
خرج ريان من كهفه والأنظار نحوه ترقبه، وعين الله تكلؤه، وساد الصمت وكثر التساؤل حول مصيره وما زلنا نرجو له النجاة ولكن تقديرنا للموقف يختلف عن قضاء الله وتقديره، إذ وصلنا خبر موته، وحصل ما لم نكن نرجو، ولكنها مشيئة الله ولا يدرك الحكمة في ذلك إلّاه.
فكان بالوصول إليه فقده، وعُرف بإخراجه موته.
فياله من طفل، ويالها من همة، بنضاله ينتهي القول، إذ خرج من القاع صاعدًا للقمّة، وانتقل من الضيق الأدنى إلى الرفيق الأعلى، فتوقفنا عن العد، وانتهى الهزل والجد، وصرنا نتخيله في جنان الخلد.
وكما أحيا الأرض وهو قابع فيها، نراها تموت بإخراجه منها.
فلم يكن إنقاذه إعلانًا لموته هو فقط، ولكن البئر أيضًا لفظ أنفاسه عندما فارقه، وماتت الأرض عندما غادرها.
فلو عدنا اليوم لنفس المكان لرأيناه خاليًا من حشوده، ووجدنا الصمت يسوده، وهيمن الحزن على حدوده، وكان البكاء وقوده، وإلى الموت موت ريان سيقوده.
رحمك الله يا ريان ، وإلى جنان الخلد يا بطل
وحفظك الرحمن ، وبرحمة الله من ارتحل.

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop