مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

أحبّاء بنكهة أصدقاء

في زاويةٍ ما من التجربة الإنسانية، توجد علاقاتٌ لا تصلح لها التعريفات الجاهزة. لا هم عشّاقٌ مكتملو الحكاية، ولا مجرّد أصدقاء عابرين. هم في مكانٍ بين الاثنين، في المنطقة الرمادية التي لا يجرؤ كثيرون على البقاء فيها طويلًا، لكنها حين تُعاش بصدق، تُثمر علاقةً من نوعٍ آخر: أحبّاء بنكهة أصدقاء.

حين نقول “أحبّاء”، تُستدعى مباشرةً صور الحب الرومانسي، العاطفة، التعلّق، وربما الغيرة واللهفة والنية في الاستقرار. وحين نقول “أصدقاء”، فنحن نستحضر مشاركة الحياة من دون المطالبة بامتلاك الآخر، بل دعمًا ناعمًا، وراحةً خالية من التوقعات الثقيلة. لكن ماذا لو اجتمعت ملامح الاثنين في علاقة واحدة؟ ماذا لو وجدت نفسك تعيش الحب معه، دون أن تسعى إلى تملّكه، ودون أن تُلزِمه بشيء، كما تفعل مع صديق؟

في هذا النوع من العلاقات، قد تتبادل الضحك العميق مع شخصٍ يُشبهك، تعرف تفاصيله الصغيرة، تحفظ صوته حين يفرح، وتقرأ حزنه دون أن ينطق. تشعر نحوه بانجذابٍ دافئ، لا تحاول تفسيره أو تطويعه، فقط تحتفي بوجوده. لا تسأله: “إلى أين نمضي؟” لأنك ببساطة، تستمتع بالسير معه الآن.

هذه العلاقات تتطلّب وعيًا عاليًا ونضجًا قلّما يتوافر. فغياب التعريف الواضح قد يربك من اعتادوا تصنيف كل شيء. قد يسألك أحدهم: “هل أنتما معًا؟” ولا تجد جوابًا. أنتما “معًا” بشكلٍ لا يمكن تعليبه، أو شيء مماثل لما يعيشه الآخرون.

قد تختبر مشاعر عميقة، لكن دون توقّع أن تكون نهاية العلاقة التزامًا تقليديًا. وقد تغار، لكنك تبتلع غيرتك لأنك تعرف أن الحرية جزء من جمال هذه الصلة. أنت تحب، لكنك لا تملك. تؤثر، لكنك لا تفرض.

في كثير من الأحيان، تكون هذه العلاقة أشبه بالتقاء روحين من عالمٍ واحد. لا حاجة لكلمات كثيرة، أو وعود طويلة. حضور الآخر يكفي. نظرة واحدة قد تختصر عشرات الجمل، وسكوت مشترك قد يكون أبلغ من كل الحوارات.

هم أحبّاء لأنك تشعر معهم بدفء الحب، وأصدقاء لأن الحب لا يتكلّف ولا يتصنّع. هناك طمأنينة في كون العلاقة لا تسير نحو حافة الخوف؛ الخوف من الفقد، من التغيير، من انتهاء الصلاحية. لأنكما تعلمان — ولو ضمنيًا — أن هذه العلاقة قائمة على شيءٍ أعمق من الالتزامات الظاهرة: قائمة على التقدير، على الأمان الداخلي، على الحرية.

الحب لا يفقد عمقه إن لم يُعاش داخل إطار تقليدي. بل إن نُبل المشاعر يظهر في قدرتها على التجلّي من دون أن تُربط بسلاسل الألقاب أو العقود. أن تحب إنسانًا، وتتركه حرًا، أن تكون له مرفأ من دون أن تقيّده، أن تعيش معه لحظات صدقٍ لا تُشترى — تلك هي ذروة النضج.

أحبّاء بنكهة أصدقاء، هم أولئك الذين لا تحتاج معهم أن تكون أحدًا غير نفسك، لا تُضطر لإخفاء ألمك، ولا لتجميل واقعك. لا تطلب منهم شيئًا، لكنك حين تكون في حضورهم، تشعر أنك تملك كل شيء.

في عالمٍ يُلحّ على التسميات، ويُطالبنا دومًا بإعلان نوايانا، تأتي بعض العلاقات لتقول: لسنا بحاجة لتعريف كل شيء. بعض الروابط تنمو في الصمت، وتزدهر بعيدًا عن العيون، وتُثمر حبًا بنكهة صداقة، وصداقة بطعم الحب.

هؤلاء هم الأحبّاء الذين لا تُحدّهم الأطر، ولا تكبلهم التوقّعات. هم قصائد حرّة تمشي بيننا، لا تُشبِه إلا نفسها.

 

د. سعود الغربي
@S_F_Algharbi
مؤسس ورئيس جمعية إعلاميون

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop