مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

أخلاقيات التدريب

 

أخلاقيات التدريب ليست مجموعة تعليمات جامدة، ولا شعارات ترفع في بداية البرامج التدريبية، بل هي منظومة قيم متكاملة تُشكِّل جوهر المهنة ورسالة المدرب الواعي. إنها البوصلة التي توجه نياته، وتضبط سلوكه، وتحفظ لرسالته المهنية قدسيتها، فيغدو التدريب عندها عملاً إنسانيًا راقيًا قبل أن يكون مهنة أو وسيلة للرزق. فحين يُدرك المدرب أن مهمته لا تقتصر على نقل المعرفة، بل تمتد إلى بناء الوعي وصياغة الفكر وصقل الشخصية، يصبح الالتزام الأخلاقي لديه قاعدة لا حياد عنها.
الأخلاق في التدريب تبدأ من النية الصادقة، تلك النية التي تجعل من المنصة مساحة للعطاء لا للمنفعة وللإلهام لا للاستعراض.فالمتدرب ليس رقمًا في قائمة الحضور، بل إنسان يبحث عن النور في طريقه، حقه أن يجد أمامه مدربًا صادقًا في عطائه، أمينًا في علمه، نزيهًا في قوله وفعله. والأمانة هنا ليست فقط في حفظ الحقوق الفكرية أو في نسبة الجهد إلى أصحابه، بل في احترام عقول المتدربين ومشاعرهم، وفي عدم التلاعب بوعيهم لأجل مصلحة أو مجدٍ شخصي. ومن جوهر الأخلاقيات أيضًا العدالة والاحترام، فكل متدرب يستحق مساحة من التقدير، مهما اختلف مستواه أو خلفيته أو خبرته. المدرب الواعي لا يصنع تميزه على حساب غيره، بل يبني نجاحه من خلال تمكين الآخرين ورفعهم معه. إنه يدرك أن الكلمة التي يقولها قد تبني ثقة أو تهدمها، وأن الموقف الذي يتخذه قد يُغرس في الذاكرة طويلاً، لذلك يتعامل مع كل لحظة تدريبية كأمانة لا تُقدَّر بثمن. كما أن أخلاقيات التدريب تشمل الاستمرارية في التعلم والتطوير، فالتوقف عن النمو خيانة للمهنة وللمتدربين. المدرب الحقيقي لا يدّعي الكمال، بل يسعى يومًا بعد يوم إلى تنمية ذاته علمًا وخلقًا، لأن وعيه هو وقود الأثر الذي يتركه. التدريب دون أخلاق يتحول إلى عرضٍ فارغ من المضمون، أما حين تتجذر الأخلاق في كل سطرٍ وعبارةٍ وموقف، يصبح التدريب فنًّا راقيًا يُغيّر الحياة ويعيد تشكيل الفكر بسلاسة وصدق. وفي النهاية، تبقى أخلاقيات التدريب انعكاسًا لجوهر الإنسان قبل أن تكون التزامًا مهنيًا. إنها مرآة القيم التي نحملها،ورسالة الصدق التي نوقعها بأفعالنا قبل كلماتنا. فحين يتحد الوعي بالمهنية، والضمير بالمعرفة يصبح التدريب رسالة نور لا تنطفئ، وأثرًا خالدًا يزرع في المتدربين احترام العلم ويغرس فيهم يقينًا أن القيم هي الأصل وأن الأثر الأخلاقي هو أعظم ما يمكن أن يتركه مدرب في نفوس من علّمهم.

 

أ. نادية الجودي
@Nadiaaljoud
عضو جمعية إعلاميون

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop