مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

أزمة ثقة.. لا أزمة كفاءة!

‏أعلنت لجنة الحكام في الاتحاد السعودي لكرة القدم عن ثلاث باقات لاستقطاب طواقم تحكيم أجنبية، تبدأ تكلفتها من 300 ألف ريال وتصل إلى 450 ألف ريال للمباراة الواحدة، وفقاً لعدد أفراد الطاقم ومهامهم. وعلى الرغم من أن القرار يبدو ظاهريًا تنظيميًا يوفر خيارات مرنة للأندية، إلا أن باطنه يحمل إشكالية أعمق من مجرد تنسيق إداري؛ إنه ترسيخ لأزمة ثقة، لا أزمة كفاءة.
‏منذ عام 2022م، اعتمد الاتحاد السعودي لكرة القدم نظام تقنية الفيديو المساعد (VAR) في جميع مباريات دوري روشن، وهو استثمار ضخم يعكس التزامًا واضحًا بتطوير المنظومة التحكيمية ورفع العدالة التنافسية. وقد أثبتت هذه التقنية، حين تُدار بكفاءة، قدرتها على تقليص نسبة الأخطاء التحكيمية إلى نحو 90 %، تاركة الحكم في الميدان مسؤولاً عن نسبة بسيطة يمكن التعامل معها بالتدريب والخبرة والثقة.
‏لكن ما حدث كان عكس المتوقع؛ إذ تحولت تقنية الفار من أداة دعم وتمكين إلى وسيلة تُستخدم لإدانة الحكم السعودي مع كل خطأ بشري، وهو ما زعزع الثقة فيه بدلاً من تعزيزها. وبدلاً من أن تكون التقنية مكملة لتطوير الحكم المحلي، أُهدرت الميزانيات على استقدام حكام أجانب، بعضهم لا يملكون خبرة كافية ولا خلفية عن الدوري السعودي، سوى أنهم يحملون صفة (أجنبي).
‏ولعل المعضلة ليست في الأدوات ولا في البنية التحتية، بل في غياب الثقة. فالحكم السعودي لا تنقصه الإمكانات، ولا تعيقه البيئة. فقد أُتيحت له المنشآت الحديثة، والدورات التدريبية، والدعم اللوجستي والتقني، والتمكين من الظهور في بطولات محلية وقارية، لكن ما لم يُمنح له هو الإيمان الحقيقي بقدراته، والدعم المؤسسي المستدام، والثقة التي تحصِّنه لا التي تهمشه.
‏المفارقة المؤلمة أن المبالغ التي تُدفع مقابل طواقم تحكيم أجنبية كاملة، كان من الممكن أن تُعاد هندستها بذكاء لتُستثمر في تأهيل الحكم المحلي، من خلال تقليل عدد الحكام المساعدين في كل مباراة، وتوجيه الفائض المالي إلى إنشاء برنامج وطني لصقل الحكام السعوديين بتجارب عملية، ودمجهم بأنظمة الذكاء الاصطناعي وتقنية الـVAR، لا استبعادهم منها.
‏بهذا الاتجاه، يخسر الاتحاد السعودي لكرة القدم على ثلاث جبهات: يخسر القيمة الحقيقية لتقنية الفار عندما تُستخدم كوسيلة تهميش، ويخسر الملايين في استقطاب حكام لا يملكون أدنى دراية بسياقنا الكروي، ويخسر الأهمّ، وهو تأهيل الكوادر الوطنية التي يُفترض أن تتصدر المشهد التحكيمي في البطولات العالمية التي تستعد المملكة لاستضافتها مثل كأس آسيا 2027 وكأس العالم 2034 .
‏ولأن الأزمة أعمق من قرار إداري، فإن الإصلاح يبدأ من تغيير الخطاب. رؤساء الأندية مطالبون بالتوقف عن تعليق شماعة خسارتهم على الحكم الوطني والضغط عليه في كل هفوة، والإعلام الرياضي يتحمّل مسؤولية إعادة بناء ثقة الجماهير بهذا العنصر الوطني المهم، لا تأجيج حملات الهدم والتشكيك. أما لجنة الحكام، فهي مطالبة بإعادة النظر في قراراتها الأخيرة، ووضع إستراتيجية وطنية تُعزِّز التكامل بين الحكم المحلي والتقنية الحديثة، لا أن تستبدل أحدهما بالآخر.
‏المملكة تتهيأ لاحتضان بطولات عالمية كبرى، ولا بد أن تواكب منظومتها الرياضية والتحكيمية هذا الطموح، فتقدم نموذجًا يعكس احترافية وزارة الرياضة والاتحاد السعودي لكرة القدم، لا أن تظهر بعجزها عن صناعة حكم سعودي يليق بهذه المرحلة. إنها لحظة اختبار حقيقي لمدى جدية برامج التطوير في قطاع التحكيم.

 

د. سطام ال سعد
‏@Sattam_Alsaad
عضو جمعية إعلاميون

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop