تطرقتُ في الجزء الأول من المقال لبعض أشكال النصيحة، وما تمر به من إشكالات عند الكثير من البشر.
وسقتُ شيئا يسيرا من أقوال الحكماء وأهل العقل في أهمية قبول النصيحة، وضرورة الأخذ بها ولو من دافع التجربة، وخوض غمارها.
هذا ما يخص النصيحة في شكلها حين -تُعرض-، وتأتيك على طبق المناصحة والفائدة لا الازدراء والتشفِّي، وممارسة دور الأستاذية.
وأما شكلها حينما -تُطلب- فلا جَرَم أنها هي الأجدى والأنجع؛ لما تجد من التوافق والتواؤم.
وما أجمل قول الشاعر ابن الحاج البلفيقي:
لا تبذلنَّ نصيحة إلا لمن
تلقى لبذل النصح منه قبولا
فالنصح إن وجد القبول فضيلةٌ
ويكون إن عَـدِم القبول فضولا
ولا شك أنَّ من أهم أسباب قبول النصيحة واستساغتها عندما تأتي في (شكلٍ) وقالبٍ يتميز بذكاء الأسلوب ولين القول وبسط الكلام مع التلميح لا التجريح.
والنصيحة طريق شاق إن أتقنتَ تعبيده وصلت لوجهتك، وأدركت غايتك. ولم يعرف التاريخ، ولم تدون المحابر أحسن ولا أفضل من محمد -عليه الصلاة والسلام- في هذا الجانب؛ لعلنا اليوم أن نستفيد منه كدرس مجاني، وقدوة حسنة في معرفة تقديم النصيحة، والتمهيد لها.
حيث ثبت عنه – صلَّى اللَّه علَيهِ وسلَّمَ- أنه أخذَ بيدِ معاذ مرةً فقال: يا مُعاذُ، واللَّهِ إنِّي لأحبُّكَ، واللَّهِ إنِّي لأحبُّك، فقالَ: أوصيكَ يا معاذُ لا تدَعنَّ في دُبُرَ كلِّ صلاةٍ تقولُ: اللَّهمَّ أعنِّي على ذِكْرِكَ، وشُكْرِكَ، وحُسنِ عبادتِكَ.
فما ألطفه من أسلوب، وما أبرها من نصيحة!
وهناك شكلٌ من -أشكال- النصيحة وإن كانت تحمل في ظاهرها الشدَّة والقسوة، إلاَّ أنها في باطنها مبنيةٌ على صدق المشاعر، وصادق المحبة هذا الشكلُ من النصيحة تشكَّل في شخصية الآباء مع أبنائهم، والأخوة الكبار مع من دونهم أثناء تقديم النصيحة، وليس هذا على الإطلاق، ولكنه أصبح علامة مرجعية جُبلت عليها طباعهم، واعتادتها سجيتهم.
يجبُ في النهاية على الأبناء تقبُّلِ مثل تلك النَّصائح القاسية التي صدرتْ -يوماً مـا- من أحدِ والديهم أو من إخوتهم ( ويأخذوها بقوة ) ويعلموا أنها مغلفةٌ بالحب والود رغم قسوتها.
وغليظٌ يتذكرك خيرٌ من بشوشٍ لا يذكرك؛ وإلاّ ما تحمَّلها هارون من أخيه موسى حين قال: {قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي} (94) سورة طه، ولكنها الغَيرة والخوف فخذها.
ولكي تعلم مدى أهمية نُصح وصدق الأخ؛ لما سارت الركبان بالأثر المشهور، والمثل الباقي في كل نصيحة وعند تقديم أي مشورة: (أنصحكَ نصيحة أخ).
أ. بدر الروقي
@B__adr0
عضو جمعية إعلاميون