هناك عمرٌ مهمل.. انشغلنا فيه بالجري وراء متطلبات الحياة ومادّياتها بحجة أن الطفل مازال صغير، وحصرنا احتياجه فقط في طعام وشراب ونوم ، وربما تركناه مع جهازاً يشغله أو مع مربية أو أحد أفراد العائلة منشغلاً عنه، دون تواصل أو تفاعل .. لقد نسينا أن الطفل لايحتاج فقط إلى من يبقيه حياً، بل إلى من يمنحه الحياة حقاً. يحتاج التفاعل الذي يدفئ قلبه، وتواصل يغذي فكره، وتخطيط يرسم ملامح نموه العقلي والاجتماعي والجسدي والحركي والنفسي والانفعالي ويقوّي مهاراته وينميها.
منذ لحظة الولادة وحتى عمر الخمس سنوات يعيش كثير من أطفالنا في بيئات فقيرة مقيّدة اجتماعياً وثقافياً ونفسياً ذات جدران تطوق وتخنق النمو الطبيعي لعقل وروح الطفولة.
حدثتني أمٌّ بحسرة وقالت: سمعت كلمة ماما من طفلي وهو في الرابعة من عمره.
وأخرى تروي قصة طفلها بمرارة : كنت أذهب للعمل تاركةً طفلي في أحضان جهاز، وفي الحضانة اغلب وقته عند الجهاز .
اسمحوا لي في هذا المقال أخاطب الوالدين وأسألهما بصراحة وشفافية: أين أنتم من طفلكم في السنوات الخمس الأولى ؟؟ هل جلستم وشاركتم معه اللعب والضحك والحديث؟ هل تم التخطيط لكل سنه تمر من عمره؟ هل تم إطلاقه في احضان الطبيعة يجري ويكتشف ويسأل ويناقش وأنتم برفقته داعمين ومشجعين ومغذين لفضوله وتساؤلاته.
ربما ترون انها سنوات قصيرة تمر سريعاً ولكنها ذات أثر في بناء مستقبل وتشكيل شخصية تتعمق فيها الجذور والثقة بالنفس والعالم ، إن أحسنتم الرعاية خرج الطفل متوازن قوي النمو قادر على التعلم مدى الحياة. وإن أهملتم هذه السنوات المبكرة حصدتم الضعف والمشاكل والعجز في تكيف الطفل وقدراته .
كم من أسرة لم تلتفت لطفلها إلا عند اقتراب دخوله المدرسة فتكتشف أنه عاجز عن الكلام بطلاقة والتواصل بثقة والتعبير عن المشاعر فتبدأ رحلة البحث عن علاج وحلول سحرية سريعة ليكون مثل بقية أقرانه.
انها دعوة لكل آباء وأمهات اليوم والغد .. امنحوا وقتاً واحتواءً وتواصلاً فاعلاً في سنوات عمر الطفل الأولى وخاصة أول 1000 يوم في حياة الطفل فاحسنوا الاستثمار والتخطيط لها. دمتم في تواصل دائم ولعب وضحك وبيئة أقل تقييداً وحرماناً في كآفة الجوانب وخاصة الاجتماعية والثقافية.
أ. حصة القبلان
@h66227662
عضو جمعية إعلاميون