سؤال اليوم الجوهري: هل الإعلام الجديد أضعف دور العلاقات العامة؟ أم منحه أفقًا جديدًة للتطور والتأثير؟
في الماضي، كانت المؤسسات تعتمد على البيانات الصحفية أو المؤتمرات الرسمية لبناء صورتها الذهنية، عكس الآن فالمعادلة انقلبت. فتغريدة واحدة قد تغيّر الانطباع العام، ومقطع مرئي قصير قد يعزز الثقة أو يهزها. الإعلام الجديد منح الجمهور قوة غير مسبوقة، و كل متابع أصبح قادرًا على التأثير في الرأي العام، ليس فقط كمتلقٍ بل كمشارك فعّال في تشكيل الصورة.
لكن ما زال هناك سوء فهم لمفهوم “الصورة الذهنية” في بعض الجهات. الصورة ليست مجرد محتوى جميل أو حملة ناجحة مؤقتة، هي انطباع متكامل يتكوّن من طريقة التواصل، أسلوب الرد، مستوى الشفافية، وسلوك القادة والمتحدثين باسم المؤسسة. كل تفصيل صغير في الإعلام الجديد من صيغة التغريدة إلى طريقة الرد أصبح جزءًا من الهوية الاتصالية التي تُبنى أو تُهدم بها الصورة.
من واقع التجربة، أرى أن صناعة الصورة الذهنية في الإعلام الجديد تتطلب ثلاثة عناصر: الصدق، الاستمرارية، والذكاء العاطفي.
الصدق لأن المتلقي اليوم ليس كما في السابق، أصبح أكثر وعيا ووسائل التواصل التفاعلية اتاحت له الفرصة لمزيد من التعلم، البحث، الاطلاع، فخلاصة الحديث في هذه النقطة هو الجمهور اليوم لا يُخدع بسهولة، والاستمرارية مهمة أيضًا لأن الثقة لا تُبنى في يوم فقط بل تحتاج لممارسة محترفة، والذكاء العاطفي من أهم هذه العناصر، لأن التواصل الإنساني هو جوهر النجاح. كما ذكرت في احدى مقالاتي السابقة (طريقة تأثير الرسالة على المتلقي) الجمهور لا يريد مؤسسة مثالية فقط بقدر ما يريد جهة صادقة، تعترف بأخطائها وتتفاعل بإنسانية.
الإعلام الجديد غير مفهوم السلطة الإعلامية. حيث أن المتحدث الرسمي لم يعد وحده هو الصوت المعتمد في غالبية المؤسسات، بل أصبح كل موظف، كل حساب تابع للمؤسسة، وكل تفاعل صغير على المنصات، يعكس الصورة الكلية. ولهذا، أصبح بناء الصورة الذهنية مسؤولية جماعية تتشارك فيها العلاقات العامة، التسويق، والإدارة العليا على حد سواء.
ومن هنا يكمن التحدي الحقيقي: كيف تحافظ على صوت موحد متزن، رغم تعدد المنصات وتنوع الرسائل؟ الإجابة هي في وجود هوية اتصالية واضحة، تنبع من القيم، ومن الرسالة أيضا قبل التصميم. من وجهة نظري كمتخصصة في العلاقات العامة المؤسسات التي تدرك أن صورتها لا تُبنى فقط بالحملات، بل بالممارسة، هي وحدها القادرة على البقاء بثقة واحترام وصورة جيدة، لانها تبني أساس متين من خلال مشاركاتها الفعالة التي تعكس صور جيدة في داخلها وخارجها.
ومثلما نعرف جميعًا النجاح لا يقاس فقط بالوصول للهدف المطلوب بل بالإستمرارية، في الأخير من وجهه نظري أن الإعلام الجديد لم يُضعف دور العلاقات العامة، بل زاده عمقًا واتساعًا. جعل التواصل أكثر شفافية بين المرسل والمستقبل، والمساءلة أكثر حضورًا، والفرص أكثر تنوعًا. ما تحتاجه المؤسسات اليوم ليس “الظهور أكثر”، بل “الظهور الأذكى”، بحيث تكون كل رسالة امتدادًا لهويتها، وكل تفاعل فرصة لتعزيز ثقة لا تُشترى، بل تُكتسب.
فنجاح المؤسسات يكمن في بناء خطة اتصال داخلية وخارجية ذكية تعزز من صورتها وتكن مبنية على تحقيق أهداف المؤسسة .
لأن الإعلام الجديد لا يصنع الصورة فقط، بل يكشف حقيقتها. ومن هنا تبدأ مسؤوليتنا كممارسين في العلاقات العامة: أن نكون صوت صادق، وأن نبني صورًا ذهنية تستحق البقاء في ذاكرة الناس، لا مجرد مرورٍ عابرٍ في صفحاتهم.
أ. ذكرى الشبيلي
@pbthdw
عضو جمعية إعلاميون