لا تُؤخّر البدايات.. فالطفل لا ينتظر
تركتَه غائبًا طوال العام الدراسي، دون متابعةٍ أو تعليم،
وتركتَه جالسًا أمام وسائل الإعلام تُشكّل شخصيّته وفهمه وقيمه. وفي نهاية العام، أخذتَ تردّد بينك وبين نفسك: “طفلي ما زال صغيرًا.. لم يُتقن مسك القلم.. لم يتعلّم الحروف أو الأرقام”.
ثمّ قرّرتَ: سأجعله يُعيد سنة دراسيّة في الروضة، وأُؤخّر تسجيله في الصفّ الأوّل، ليبلغ سبع أو ثماني سنوات، لعلّه يكون أكثر استعدادًا لاكتساب المهارات.
وهنا أتوقّف.. وأسأل نفسي وأسألكم:
هل تأخير البداية هو الحلّ؟ أم أنّنا نعالج الأثر ونترك السبب؟
يؤسفني أن أرى كثيرًا من أولياء الأمور يُؤخّرون عامًا أو عامين من عمر طفلهم، ليُصبح متأخّرًا عن أقرانه، بحجّة أنّه “ما زال صغيرًا” أو “لم يكتسب المهارات بعد”، بينما السبب الحقيقيّ كان غياب التهيئة المبكّرة.
أين نحن من أهمّ المراحل؟
الحضانة والروضة ليستا محطّات انتظار؛ بل هما مراحل تأسيسٍ جوهريّة، تتشكّل فيها شخصية الطفل، وتنمو قدراته العقليّة والجسديّة والعاطفيّة والاجتماعيّة.
فالنموّ العقليّ في السنوات الأولى من حياة الطفل سريعٌ جدًّا؛ وكلّ تأخير أو إهمال ينعكس عليه لاحقًا في شكل صعوبات تعلّم أو تأخّر اجتماعي أو فقدان الثقة بالنفس.
منذ الولادة وحتّى عمر خمس سنوات، نحتاج أن نُخطّط، ونُوجّه، ونُرشد، ونعزّز المهارات، لأنّ هذه السنوات هي البُنية التحتيّة لشخصيّة الطفل ولمستقبله الأكاديمي والاجتماعي.
حين نُهدر هذه المرحلة بين مربٍّ غير مؤهّل، أو أمام شاشة جهاز رقمي، دون توجيهٍ أو تفاعلٍ فعّال، فلا عجب أن نجد الطفل لاحقًا متأخّرًا.
ثمّ نلومه، أو نلوم الحضانة أو الروضة التي حضر إليها بشكلٍ متقطّع.
ونُقرّر تأجيل دخوله للصفّ الأوّل الابتدائي، بحجّة أنّه لم يكتسب المهارات — في حين أنّ هذا التقصير هو في الأصل تراكم إهمالٍ سابق.
لماذا الحضانة والروضة مهمّتان؟
لأنّهما ليستا مجرّد مراحل ترفيهيّة، بل هما بيئتان تربويّتان تُسهِمان في بناء طفلٍ متوازن:
•يتعلّم الاستقلاليّة، والقيام بالأمور بنفسه.
•يُنمّي ثقته بنفسه وقدرته على التعبير.
•يطوّر مهاراته الحركيّة (الكبرى والدقيقة).
•يُتقن مهارات التواصل اللغويّ والاجتماعيّ.
•يتهيّأ لمسك القلم والتدرّج في تعلّم الحروف والأرقام.
•يُصبح أكثر وعيًا بالعالم من حوله، وأكثر اندماجًا مع أقرانه.
دور الأسرة:
الأسرة هي المحور الأهمّ في هذه المرحلة.
دوركم كآباء وأمّهات ومربّين ليس أن تُحمّلوا غيركم مسؤوليّة التأخير، بل أن تكونوا شركاء فاعلين في التهيئة التربويّة والنمائيّة لأطفالكم.
لا تتركوا السنوات الستّ الأولى تمرّ بلا تخطيطٍ أو وعيٍ أو متابعة.
فالطفل لا ينتظر.. والنموّ لا ينتظر.. والفرص التي تُفقد في هذه السنوات قد يصعب تعويضها لاحقًا.
رسالة إلى كلّ وليّ أمر، وكلّ معلّم، وكلّ مختصّ في الطفولة:
الطفل أمانة. هو جوهرة غالية بين أيديكم.
كلّ يومٍ من عمره هو فرصة.. وكلّ لحظةٍ هي رصيد.
فلنمنحه بيئةً غنيةً بالتجارب، ومليئةً بالحبّ، والاحترام، والتحفيز.
فلنبدأ البداية الصحيحة، ونغرس في صغارنا حبّ التعلم، وحبّ الذات، وحبّ الحياة.
أ. حصة القبلان
عضو جمعية إعلاميون
@h66227662