مرحباً بكم فى جمعية اعلاميون

“التطوع في الحج”.. هل يصبح نموذجًا للمشاركة المجتمعية؟

في المجتمعات الحية، لا تنبع قوة التغيير من القوانين وحدها ولا من المؤسسات الرسمية فحسب، بل من وعي الناس وإحساسهم بالمسؤولية المشتركة تجاه أوطانهم، تلك هي المشاركة المجتمعية، التي تنظم الجهود والعلاقات وترفع الفرد إلى موقع الشريك الفاعل في صناعة التنمية الوطنية المستدامة.

‏من التجارب التي تجسد هذا المعنى، “مركز عمليات التطوع لموسم الحج”، الذي أطلقه المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي، على مدى عامين متتاليين، كمنصة استراتيجية وحلقة وصل تنسيقية جمعت الجهود الوطنية للأفراد والمنظمات، وحولتها إلى طاقة جماعية منظمة تخدم ضيوف الرحمن، وتمنح المتطوعين تجربة احترافية تليق بروح العطاء المتجذرة في المجتمع السعودي.

‏وقد تأسس المركز على مجموعة ركائز رئيسة؛ من الرصد والتقييم الذي يمد صناع القرار بالبيانات اللازمة، إلى تحليل احتياجات التطوع وتصميم الفرص الملائمة لطبيعة الموسم، مرورًا بتعزيز الشراكات الاستراتيجية مع مختلف الجهات، وتفعيل التعاون بين المنظمات الحكومية والأهلية، مع الحرص على تنويع الفرص التطوعية بما يرفع الدافعية ويقلل من التكرار.

‏وتجلّى أثر ذلك بوضوح في موسم الحج لعام 1446هـ/2025م، فكان المركز بمثابة القلب النابض للتنسيق، حيث وحّد جهود أكثر من 34,500 متطوع قدّموا ما يزيد على 2.1 مليون ساعة تطوعية، وكانت هذه التجربة علامة فارقة تؤكد أن التطوع، حين يُدار بعقلية استراتيجية، يتحول من مبادرات متناثرة إلى قوة منظمة قادرة على تعظيم الأثر، وتقليل الهدر، ورفع كفاءة الموارد البشرية واللوجستية، فضلاً عن منحه للأفراد تجربة إنسانية لا تُنسى، تترك أثرًا في ذاكرتهم كما تتركه في حياة المستفيدين.

‏وهنا يحق لنا أن نتساءل: هل نحن بحاجة إلى أن يظل هذا النموذج مقصورًا على موسم الحج؟ ألسنا أمام فرصة لتوسيع نطاق تجربة مركز العمليات لتشمل قطاعات ومجالات أخرى تحت مظلة المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي؟

‏خذ على سبيل المثال مبادرات سقيا الحجاج، التي يشارك فيها آلاف المتطوعين سنويًا، وإمكانية إنشاء مركز عمليات مخصص يحول هذه الجهود من نشاطات موسمية إلى منظومة مستدامة تعزز التمكين البيئي وتؤسس لثقافة حماية الموارد بوصفها مسؤولية مشتركة، وأيضًا بالنسبة لحملات ومبادرات القطاع الصحي، الذي تجاوز عدد المتطوعين 632 ألفًا، من بينهم ما يقارب 5000 في موسم الحج وحده، ألسنا بحاجة لمركز عمليات ينظم الحملات الصحية وإدارة المبادرات، من التبرع بالدم إلى العيادات المتنقلة، بما يعمق مفهوم المشاركة المجتمعية الصحية ويضمن كفاءة أكبر في الاستجابة للاحتياجات، وكذلك التعليم، فهو ميدان آخر واعد، يمكن أن يتحول فيه الطلاب والمعلمون إلى قوة منظمة تدعم برامج محو الأمية والتعليم المستمر في المناطق النائية، في تجسيد حيّ لمفهوم التعليم المجتمعي.

‏إن التفكير في إمكانية تعميم هذا النموذج قد يمنح المشاركة المجتمعية بعدًا جديدًا؛ إذ سيغدو مشروعًا وطنيًا متكاملًا، وتأخذ مكانها في قلب رؤية 2030، فتتجسد التنمية بما يُصاغ بالتشارك مع الناس، بوعيهم، وبجهودهم، وبقدرتهم على تحويل كل مبادرة أو مشاركة فردية إلى إرث جماعي حيّ يبقى أثره ممتدًا عبر الأجيال.

 

د. يوسف الهاجري
‏@aboaadl2030
عضو جمعية إعلاميون

شارك المقالة
جميع الحقوق محفوظه جمعية اعلاميون © 2021
الأعلىtop