كيف تُصاغ التنمية المحلية بالمشاركة المجتمعية والابتكار الاجتماعي؟
في زمن تسعى فيه الدول نحو إعادة صياغة نماذجها التنموية، لم تعد التنمية الحضرية محصورة في التخطيط المركزي من أعلى، بل أصبحت ممارسة تشاركية متعددة المستويات، تدمج الدولة والمجتمع والقطاع الخاص ضمن منظومة واحدة متكاملة.
وفي هذا الإطار، تقدم “هيئة تطوير بوابة الدرعية” نموذجًا وطنيًا فريدًا، يتجاوز مفاهيم التطوير العمراني التقليدية، ليُعيد صياغة العلاقة بين الفرد ومحيطه عبر مشاركة مجتمعية حقيقية، وابتكار اجتماعي ينبثق من خصوصية المكان وتاريخه وثقافته.
تتميز المشاركة المجتمعية في الدرعية بكونها أكثر من مجرد شعار؛ فهي أداة استراتيجية تُترجم مفهومًا جوهريًا للتنمية، حيث تُستمد قوة المشروع ونجاحه من تفاعله العميق مع الناس ومشاركتهم الفاعلة، ليصبح الأفراد شركاء معرفيين وتخطيطيين وتنفيذيين، وقد تجلى ذلك في المبادرات المختلفة مثل “آفاق الدرعية” التي تهدف إلى بناء قدرات الشباب وتمكينهم ليكونوا قادة وفاعلين في مجتمعهم المحلي.
يعكس هذا بوضوح فلسفة “التمكين التشاركي”، التي تقوم على أن الأثر الحقيقي للتنمية لا يتحقق إلا حين يكون المواطن جزءًا من القرار، لا موضوعًا له وفقط، كما أن إشراك الأفراد في مراحل التخطيط والتقييم يُعد تجسيدًا عمليًا لمفهوم “الحوكمة المجتمعية”، ويتناغم مع مستهدفات رؤية 2030، التي تجعل من المشاركة المجتمعية رافعة أساسية لتوطين التنمية وتعزيز الهوية المحلية.
أما الابتكار الاجتماعي في تجربة “الدرعية”، فيتمثل في تقديم حلول تنموية غير نمطية، تنبع من السياق الاجتماعي والثقافي المحلي، فيتم تصميم البرامج والمبادرات وفق مفهوم “الإبداع الاجتماعي/السياقي”، لتكون نابعة من نبض المجتمع، ومرتبطة بواقعه واحتياجاته، وقابلة للاستدامة.
وتظهر نتائج هذا التوجه جلية في إحياء الحرف والأسواق المحلية، التي لم تُعامل بوصفها مجرد موروث ثقافي، بل كأصول اقتصادية حيوية، يجري تنشيطها ضمن نموذج “اقتصاد الثقافة”، كما تُعزز المبادرات البيئية والاجتماعية من خلال مقاربة “التمكين البيئي المحلي”، التي تربط المواطن بمحيطه الطبيعي، وتجعله شريكًا في جهود الاستدامة.
إن التنمية في الدرعية لا تُقاس بما أُعيد ترميمه من حجارة أو مبان، بل بما نُسج من روابط بين الإنسان وأرضه، وبين الذاكرة الجماعية والرؤية المستقبلية، فالبرامج الثقافية والاجتماعية لا تؤدي فقط دور الجذب السياحي، بل تُسهم في “إنتاج المعنى المحلي”، وتُمكن السكان من إعادة تفسير تاريخهم ضمن مشروع حضاري متجدد.
ختامًا، لا يمكننا تناول تجربة هيئة تطوير بوابة الدرعية كمشروع تطوير عمراني فحسب، بل كحالة دراسية متكاملة في كيفية بناء تنمية محلية تعتمد على “ذكاء مجتمعي تشاركي”، وتُعيد رسم العلاقة بين الدولة والمواطن، بما يُرسخ ثقافة المشاركة المجتمعية ويُفعّل طاقات الأفراد في صياغة مستقبلهم.
د. يوسف الهاجري
@aboaadl2030
عضو جمعية إعلاميون