في زوايا هذا العالم المزدحم لم يعُد التنمّر مشهدًا نراه في أروقة المدارس فقط بل أصبح ظلًّا يتسلّل إلى بيوتنا ومجالسنا وحتى بين من نُحبّ كأننا صرنا نمارسه بلا وعي نلقي الكلمات كأنها عابرة لكنها في داخل الآخر سكاكين حادّة لا تندمل.
كم من روحٍ انكسرت تحت وطأة كلمة! وكم من قلبٍ تغيّر مساره لأن أحدهم سخر منه، استصغر حلمه أو أطفأ نوره باسم المزاح أو الصدق
التنمّر اليوم لم يعُد في شكله التقليدي فقط بل اتخذ وجوهًا ناعمة… نظرة استهزاء نبرة استخفاف أو صمت متعمّد يهمّش حضور الآخر. إنه تنمّر ناعم لكنه أكثر قسوة لأنه يأتي من أقرب الناس إلينا من أولئك الذين يفترض أن يكونوا مأمن الروح لا موطن وجعها.
نمارس التنمّر حين نُقلّل من تجربة أحدهم لأننا لا نفهمها وحين نحاكم مشاعر غيرنا وكأننا نملك ميزانًا للحسّ والضعف وحين نُخيف المختلف بدل أن نحاوره وحين ننسى أن لكل إنسان حربه الخاصة التي لا نراها.
التنمّر ليس فقط فعلًا ضد الآخر بل هو جهل بالذات. من يُمارس التنمّر لا يرى نفسه حقًا لأنه لو رآها بصدق لأدرك هشاشته وضعفه ولما احتاج أن يرفع نفسه فوق الآخرين ليشعر بوجوده.
لقد تحوّلنا في كثير من الأحيان إلى مجتمعاتٍ تُقدّس الصورة وتنسى العمق تُسارع إلى الحكم وتنسى الفهم تُتقن النقد وتفشل في الاحتواء.
ووسط كل هذا الصخب يظلّ الإنسان الحقيقي هو من يقف في وجه هذا التيارمن يختار اللطف لا السخرية الوعي لا الانسياق، والرحمة لا القسوة. لكن كيف نحمي أنفسنا من هذا السمّ المتسرّب في الكلام؟ كيف نحافظ على أرواحنا من جراحٍ لا تُرى؟ ربما لا يكفي أن نكون أقوياء وحدنا… ربما نحتاج يدًا تُدركنا في لحظة الانكساركلمةً تُعيدنا إلى ذواتنا حضنًا يذكّرنا أننا لسناوحدنا في هذه الرحلة.
ففي نهاية الأمر لا يُشفى الإنسان بالعزلة بل بالفهم ولا ينجو بالقسوة بل بالرحمةننجو حين نتشبّث بالنور حين نمنح الطيبة فرصة لتكون درعنا وحين نؤمن أن أعظم انتصار على التنمّر هو أن نظلّ إنسانيين… رغم كل ما حولنا.
أ. هناء الخويلدي
@Hana69330082
عضو جمعية إعلاميون